استبشر المغتربون السودانيون بلجنة الأراضي التي زارت المملكة مؤخرا لبيع قطع أراض سكنية في ضاحية الوادي الأخضر بالخرطوم بحري. وتسابقوا في الحضور مبكرا الى مقر قنصلية السودان في جدة وكل منهم يمني نفسه بتحقيق حلم امتلاك أرض يشيد عليها منزلا لعل وعسى أن تكون حافزا له للعودة النهائية للوطن، خاصة بالنسبة للذين أفنوا زهرة شبابهم وقضوا عشرات السنين في الغربة المرة. وبطبيعة الحال كان من بينهم بعض الفتيات والنساء العاملات في المملكة واللواتي أحبطهن الأسلوب الذي تدار به أعمال اللجنة التي ترفض الاعتراف بحقوقهن المشروعة كأي سوداني آخر، وتقصر توزيع الأراضي على الرجال دون أي مبرر معقول. وكنت أنا شخصيا واحدا من الذين فوجئوا بذلك الاسلوب المجافي للمنطق، حينما اصطحبت ابنتي (صباح) التي تعمل في وظيفة استشارية مختبرات طبية في احد مستشفيات جدة، لمقابلة اللجنة التي تعلل رئيسها بالزعم أن قطع الأراضي معروضة للرجال فقط ولا حظ للنساء فيها، بحجة أن (الشرع) يلزم الرجل بتوفير المسكن لأسرته. وتناسى أن المرأة في عصرنا الراهن أصبحت تتحمل عبئا كبيرا من احتياجات الأسرة وأن عدد النساء العاملات في السودان يفوق عدد الرجال العاملين، وأن أعداد الطالبات في المرحلة الجامعية أكثر من نظرائهن من الطلاب. واستغربت كثيرا لذلك التعسف الذي يزج فيه بالشرع ظلما وبهتانا لمجرد أن الشخص المتنفذ يريد أن يلوي عنق الحقيقة الواضحة كالشمس. فكيف يكون حال المرأة التي لم تتح لها فرصة الظفر بزوج مقتدر ماليا، وهل يجب عليها أن تعيش عالة على إخوانها عند وفاة والدها، وما الذي يمنع المرأة المتزوجة من توفير منزل لأسرتها إذا كان في مقدورها ذلك وزوجها رقيق الحال؟ ومما أضحكني وشر البلية ما يضحك قول رئيس تلك اللجنة إن المرأة لا تستحق قطعة أرض في البلد الذي سنظل نفاخر بمساحته المليون ميل مربع حتى التاسع من يوليو المقبل إلا في حال كانت أرملة أو مطلقة وتعول أطفالا أيتاما.