إذا سألت أي مسؤول أو قريب لك عن سر تعطل مشروع الصرف الصحي أو الجسر القريب من منزلك أو غيره، لأجابك سريعا وبدون تمهل، إنه المقاول الذي يعمل في عشرات المشاريع في وقت واحد دون أن تكون لديه الإمكانات التي تؤهله لتنفيذ أي منها، ومع تسليمنا بصحة هذا السبب في أحيان كثيرة، إلا أن الإجابة على هذا النحو تبدو غير دقيقة وقد يظهر بها تجن على الحقيقة؛ لأن نسبة لا يستهان بها من المشاريع يقف وراء تأخيرها الجهات الحكومية لسبب أو لآخر، إذ بات من المعروف أن الكثير من المشاريع يتم تدشينها بدون تخطيط كاف، وكثيرا ما أدى اكتشاف كابلات الخدمات بالصدفة في الموقع إلى تأخر التنفيذ وبالتالي إعادة تخطيط موقع المشروع فضلا عن التكلفة الإضافية لنقل الكابلات. كما لا يخفى على أحد أن غالبية المقاولين يواجهون صعوبات كبيرة في صرف مستحقاتهم المالية، تبعا لنسبة الإنجاز المتحققة ومن ثم لا يجد المقاول بدا من سحب معداته إلى مشروع آخر، فهو من وجهة نظره لن يعمل بدون مقابل ولا يستطيع أن يدفع أجور العمال والتكاليف من جيبه. وفي كثير من المشاريع، يتم التعديل في المخططات الهندسية بعد البدء في التنفيذ تبعا للتكاليف المالية وارتفاع أسعار المواد الخام، وهو ما يعرف بترحيل أجزاء من المشروع لميزانيات قادمة، وغير خاف أن هذا التصرف يؤدي إلى هدر المال العام ويواكب ذلك في الأغلب الأعم وصول قيادات جديدة لقمة المسؤولية في محاولة منها لإبراز خطأ الإدارة السابقة وأنها هي التي تملك عين الحقيقة. ومن أخطاء بعض الإدارات الحكومية أيضا غياب المتابعة اليومية والأسبوعية للمشاريع من الميدان واعتماد غالبية الإدارات على التقارير المكتبية، استنادا إلى الثقة والمجاملات التي تنشأ بين مهندسي هذه الإدارات والفنيين لدى المقاول، وقد أدى هذا الإهمال إلى أخطاء كارثية في التنفيذ ولعل خير مثال على ذلك دوار البرسيم «أو كوبري الستين مع فلسطين» الذي قارب العمل فيه على 10 سنوات ولم ينته بسبب أخطاء في التنفيذ. إن الموضوعية والأمانة تقتضيان منا جميعا الإنصاف والصراحة؛ لأننا مساءلون جميعا أمام الله ثم ولي الأمر وضمائرنا عن تقصيرنا، ولا ينبغي أن يستغل المسؤول الحكومي العلاقة مع الصحافة لينشر صوره وهو يبتسم من عدة زوايا، متهما المقاولين بالتقاعس والتقصير في عملهم وأنه سيسحب المشاريع منهم بعد أن يكون قد برأ نفسه وإدارته من كل تقصير الآن ومستقبلا، استنادا على أن المقاول لن يلجأ للصحافة مثله للرد عليه حفاظا على لقمة عيشه.