«من لا ماضي له لا حاضر له»، عبارة تحمل في طياتها كل معاني الفخر والاعتزاز بماضي الآباء والأجداد، الخالة أم خلف العطيات لم تغرها المنازل الفارهة الحديثة، وأصرت على ألا تغادر بيت الشعر القريب من أحد القصور، يطلق عليه (المشب) تشب بالقرب منه النار للطبخ، التدفئة، تجهيز القهوة والشاي لاستقبال الضيوف في أي وقت. أم خلف لم تبد اهتماما بما تقدمه القنوات الفضائية من شرح عن فنون الأكلات الشرقية والغربية، وبقيت الأكلات الشعبية حاضرة في ذاكرتها، أبت إلا أن تستقبلنا في بيت الشعر لتقدم لنا القهوة العربية بعد أن جهزتها بنفسها، وقدمت معها التمر المعجون بالزبدة البلدية المصنوعة من حليب الغنم، وكان تناول القهوة والتمر مدخلا للحديث عن الأكلات الشعبية في المنطقة الشمالية، فقالت «يشتهر أبناء المنطقة بأكلات المرقوق، الجريش، الفتة، المفروكة والجمرية، وبالإضافة لهذه الأكلات تمتاز تبوك عن بقية مناطق الشمال بالمنسف الذي تشتهر به منطقة جنوبي الأردن لقربها من مدن الشمال». وأضافت: كانت أواني الطبخ في الماضي تصنع يدويا من الفخار والحجر، وكان للأكل طعم مختلف، ورغم الأحوال المعيشية الصعبة وبساطة المطبخ، إلا أن المرأة كانت تتفنن في إعداد الوجبات من التمر، البر، الشعير والذرة. وزادت: إن مكونات المنسف هي الجميد؛ وهو عبارة عن لبن حامض ومملح يحضر من حليب الغنم بعد غليه، ويضاف له الروب كخميرة، ثم يصفى حتى يخرج منه الماء ويجمد ثم يقطع ويوضع في الشمس ليجف فنأخذ الجيد ونفركه بالماء حتى نحصل على لبن سائل وأيضا من مكوناته خبز الشراك المعد على النار والصاج وهو خبز خفيف جدا، كما يتكون المنسف من اللحم والرز، ويضاف للخلطة اللبن الجميد ويترك على النار يغلي لمدة ساعة ثم يطبخ الرز كالمعتاد ونسقيه بالمرق، ثم يفرد عليه اللحم، وفي هذه الأيام يضع فوقه الصنوبر، اللوز، الفستق الحلبي، الكاشو ومفروم البقدونس، أما المرقوق فيعجن له دقيق البر، ويضاف له المرق المتكون من اللحم، القرع، الجزر، الكوسا، الطماطم، البصل. وبينت أن الفتة أكلة قديمة ابتكرها الأجداد وأعجب بها الأبناء، وهي عبارة عن عجين يوضع مباشرة في الجمر بعد عجنه، وبعد أن يستوي ويصبح خبزا يؤخذ جانبا ويزال ما علق به من شوائب ثم يفرك ويصب عليه السمن البري، وقد يضاف اللبن ويصبح جاهزا للأكل. وقالت «المفروكة هي عبارة عن عجينة تجهز من دقيق البر حتى تصبح على شكل قرص يدفن في الجمر، وتسمى جمرية نتيجة لوضعها في الجمر، وبعد الاستواء تقطع الأكلة ويضاف إليها التمر أو العسل مع السمن البري، وتفرك باليد لذلك سميت بالمفروكة. أما الجريش فيتكون من حب قمح مجروش بواسطة الرحى -هي أداة حجرية قديمة عبارة عن لوحين من الحجارة- يوضع مع الماء أو المرق على النار، ثم يحرك بملعقة خشبية تسمى المسواط، وقد يكون مطبوخا باللبن بعد أن يستوي يضاف له السمن البري، وهناك من ينقعه بالماء ثم يطبخ مع اللحم واللبن. وأضافت: إن المجللة والخميعا هي عبارة عن عجينة تعد على النار ولا توضع في الجمر كما هي الحال في إعداد الفتة وتسمى بالقرص وعند نضوجه يقطع في اللبن ويعجن ثم يضاف إليه السمن وفي هذه الحالة تسمى هذه الأكلة (المجللة)، وعند إضافة اللبن أو الحليب تسمى الخميعا، أما القرصان فهو عبارة عن دقيق القمح يضاف له الملح والماء ويعجن الخليط جيدا، ويترك لفترة ثم يوضع على صاج حامية وتقلب على الجانب الآخر حتى الاستواء ثم تكسر القرصان إلى قطع متوسطة الحجم.