تبحث عن حجز للسفر من أو إلى أي مطار من مطارات المملكة السبعة والعشرين لقضاء مهمة رسمية كلفت بها أو مناسبة اجتماعية دعيت إليها أو رحلة سياحية تقوم بها أو فريضة دينية ترغب في تأديتها أو أي عمل تسعى لإنجازه، فلا تجد مقعدا شاغرا في رحلات خطوطنا العزيزة، حيث تتعطل مصالح الناس ويتأثر سلبا تواصلهم الاجتماعي وتلاحمهم الوطني. ويمتد التأثير السلبي لهذه الأزمة على حركة التنمية المستدامة في البلاد؛ ذلك أن لصناعة النقل الجوي دورا حيويا في منظومة الاقتصاد والتنمية وخدمة الوطن والإنسان. مشكلة فعلا، أنك بمالك الحر لا تسطيع أن تحقق مطلبك في السفر الداخلي حتى يتبدى وكأن السفر مجاني ودون مقابل. إنها أزمة خانقة تعكس عدم قدرة الطيران المدني على مواكبة النهضة التنموية التي تشهدها البلاد وأدت إلى تداعي مشاعر الإحباط واليأس في النفوس جراء انعدام الحيلة. ويتساءل المرء: أليس لدى الخطوط السعودية خطة استراتيجية تمكنها من استشراف الاحتياجات المتنامية للنقل الجوي المحلي ورصد الارتفاع المطرد في الطلب عليه ومن ثم الاستعداد المدروس له؟ ويمتد التساؤل إلى الهيئة العامة للطيران المدني التي اتخذت موقف «المتفرج» أمام معاناة الناس وتعطل مصالحهم وتعثر تلبية احتياجاتهم في التنقل الجوي داخل المملكة. لقد تفاعل أخيرا مجلس الشورى مع معاناة المواطنين والمتعاقدين حين أصدر قرارا يوصي بالسماح لبعض الخطوط الخليجية بتسيير رحلات داخل المملكة. وفي ذات الوقت أقر المجلس أن تقوم الهيئة العامة للطيران المدني بتحسين البيئة الاستثمارية في مجال النقل الجوي بما يضمن المساواة بين كل الشركات لإيجاد بيئة تشغيلية وتنافسية جاذبة للاستثمارات وتعزيز صناعة النقل الجوي في المملكة، إضافة إلى إلزام الخطوط الجوية العربية السعودية بتغطية المطارات التي انسحبت منها شركتا سما وناس. وفي الثلاثين من الشهر الهجري الماضي أقيم في جدة ملتقى «الشراكة الاستراتيجية بين القطاعين العام والخاص في مشاريع الطيران المدني» والذي استهدف تفعيل دور القطاع الخاص في تنفيذ مشاريع الطيران المدني. وتنظيم هذا الملتقى يعد توجها إيجابيا مطلوبا، لكن معالجة الأزمة تقتضي الانفتاح على القطاع الخاص الإقليمي والعالمي وليس فقط على القطاع الخاص المحلي؛ فالوضع يحتاج إلى خبرات عالمية متخصصة في صناعة النقل الجوي التجاري وإلى استثمارات بأبعاد دولية. وعندما يقول سمو مساعد وزير الدفاع والطيران لشؤون الطيران المدني إنه لم تتقدم أية شركات جديدة للحصول على رخص الطيران التجاري، فإن ذلك يعكس غياب البيئة الاستثمارية الجاذبة ويقتضي تبعا السعي الجاد والعاجل لتوفير هذه البيئة الاستثمارية. وما أشار إليه مجلس الشورى بضرورة المساواة بين كل الشركات لتوفير بيئة استثمارية جاذبة يمثل مطلبا عادلا، فمن غير الإنصاف أن تمنح شركة دون الشركات الأخرى دعما ماليا سنويا كبيرا، وأن تمد بالطاقة دون مقابل أو بسعر مخفض إلى حد المجانية، ذلك أن خلل المساواة هو الذي أدى إلى خروج أكثر من شركة طيران من سماء بلادنا.