إن أمر الفساد في مجتمعنا كشف لي عن واقع أشد إيلاما من الفساد نفسه واقع تفسخ القيم والتبرير للأخطاء وحجب حقيقة الذات والنظر في أخطاء الآخر، وذلك من ظلم الإنسان لنفسه وجوره على وطنه. عامل نظافة يخفي أدوات النظافة ليبيعها لحسابه الخاص آخر الشهر. إمام مسجد ينيب عنه وافدا بجزء من راتبه الأساسي ليقوم بمهام عمله. مواطن يزور وثائق للحصول على قرض من بنك التسليف. موظف يرفض أداء عمله اليومي بحجة أنه يتطلب عملا إضافيا، ولما يوافق على الحجة ينفذ العمل أثناء دوامه العادي. موظف في موقع حساس يلقى من التسهيلات التجارية الكثيرة التي لن يجدها في غير موقعه. مواطن يتهرب بشتى الوسائل غير الشرعية من دفع أي رسوم خدمات يستهلكها هو. موظف يرتضي الحصول على رشوة من التاجر أو الوافد أو موطن آخر ليسمح لهم بتجاوز أنظمة مرافق الدولة. مواطن يحتال بوثائق مزورة للحصول على قطعة أرض أو منفعة ما. إنها بعض من حالات في مجتمعنا وغيرها كثر ولكنها تتكرر ولا نستطيع إنكارها. منها ما ظهر وعلم ومنها ما يزال في الخفاء وسرها عند الخالق سبحانه. ولم تقتصر على طبقة أو شريحة بل تحدث في كل المستويات بلا استثناء. كاد الجميع أن يتفقوا على مبدأ واحد هو ما دعاني لكتابة مقالي هذا. وهو أن الجميع لا ينظرون لما يقترفونه من فساد وإنما يترقبون ويبحثون عن الفساد لدى الآخر، ويتناسون ما يفعلونه، وقد يتوهمون أن في البحث عن فساد الآخر تبرير لفساد ذاتهم، إلا أن المشكلة تكون أعمق عندما يجد المفسد تبريرا لما يفعله أو يعتقد سلامة وجواز فساده هنا، فالأزمة أكبر لأنها تكون أزمة الفساد الحاصل نفسه، وأزمة تصحيح المعتقدات، وأزمة ثقافة مجتمع. إن نظامنا التعليمي لم يعن بتعزيز القيم الوطنية، كما لم يهتم بتعريف الأخطاء التي يرتكبها بعض أفراد المجتمع وأثرها على الوطن، إذ لابد في رأيي من إشاعة ونشر ثقافة التعريف بأخطاء المجتمع بكل شفافية حتى يعرف الخطأ ويتحرج الناس من فعله لافتضاح خطأ الفعل. محمد الشريف