انتهينا الأسبوع الماضي إلى السؤال: ما الذي ينقصنا لنرتفع بالتطوع من حالة الفعل الانفعالي العفوي غير المنظم، إلى مستوى الفعل الواعي المؤسس والمنظم وفق أسس علمية وعملية تجعله واحدا من أفعل أدوات المجتمع لتلبية احتياجاته عند الأزمات والملمات والحد من آثارها السلبية؟ ما الذي ينقصه ليصير من أقوى عوامل التكافل الاجتماعي التي تساهم مساهمة قوية ومؤثرة في تلاحم المجمع كأفراد ومجموعات برباط من الحب والتناغم والمؤازرة؟ في الواقع ما ينقصنا هو أن نحول هذه الروح، وهذا السلوك العفوي، وهذه المبادرات الفردية الأخلاقية إلى ثقافة مجتمعية، لنخرجها من حيز اللاوعي إلى فضاء الوعي الرحب، وهذا عمل ضخم وكبير للغاية، ولا يمكن أن تنهض به الدولة وحدها، بل يقينا هي لا تستطيع أن تقوم به، وغاية ما هو مطلوب من الدولة في هذا الصدد هو أن تلعب دورا مساندا، بمعنى أن توفر الدعم اللوجيستي بوضع التشريعات المساعدة وتهيئة المناخ لمؤسسات المجتمع المدني لتمارس دورها على النحو المطلوب في ترسيخ ثقافة التطوع، وحين نتحدث عن دور الدولة فإننا لا نعني وضع التشريعات المساعدة وحدها، وإنما نعني أن تمارس سلطتها في وضع السياسات الداخلية على صعيد التعليم، مثلا، بجعل التطوع مادة دراسية في مناهجها، وبوضع التشريعات والحوافز التي تحفز قطاعات الأعمال على التنافس في مجالات المسؤولية الاجتماعية للشركات على سبيل المثال، وأن تفرد المؤسسات الإعلامية حيزا أكبر لتغطية هذا النشاط وتحتفي بمبادراته، الأمر الذي يؤدي في محصلته النهائية إلى ترسيخ وتجذير ثقافة التطوع كممارسة إنسانية حضارية واعية، وأدبيات التطوع ستجد في تراثنا العربي القديم صورا تعزز ترسيخ السلوك التطوعي، فهي حافلة بالقصص والصور والنماذج الفذة التي تجسد قيم الأثرة ونكران الذات والتكافل الاجتماعي. ثاني ما نحتاجه في هذا الصدد هو «مأسسة» التطوع كنشاط اجتماعي. ذلك أن التطوع كما هو ممارس اليوم في مجتمعاتنا إنما هو استجابات عفوية فطرية، يمليها علينا الحس الإنساني أو الدافع الديني، إلا أن هذه الدوافع لا تتحرك بفعالية إلا عند الملمات ووقوع الكوارث، وهي تتم بصورة عفوية وتلقائية وفورية، وقد شهدنا في السعودية مثالا رائعا لزخم هذه الاستجابة إبان كارثة الأمطار والسيول التي اجتاحت مدينة جدة في العام الماضي، حيث هرع الآلاف من الشباب من الجنسين لإغاثة المنكوبين بمبادرة ذاتية وبعيدا عن الجهات الرسمية. لقد لفتت تلك الاستجابة والروح التي عبرت عنها، وفعالية الدور الذي لعبته مبادرة هذه الجموع من المتطوعين في التخفيف من الآثار المادية والنفسية للمنكوبين، أنظار المراقبين إلى ضرورة تنظيم ومأسسة التطوع نظرا لأهمية وحيوية الدور الذي يمكن أن يلعبه في إدارة الأزمات والتخفيف من آثار الكوارث أيا كان نوعها، بشرية أو طبيعية. وقد نشطت حركة اجتماعية ملحوظة في اتجاه هذه المأسسة المطلوبة، وشهدنا قيام أندية وتجمعات تطوعية، اتخذ العديد منها ساحات التواصل الاجتماعي الإلكترونية مكانا له من خلال الإنترنت والفيس بوك والتويتر، وعبر مبادرات نسوية رائدة مثل «نادي لبيه» الذي أطلقت فكرته الأميرة نوره بنت عبدالله بن محمد آل سعود، والذي يعتبر أول ناد إلكتروني يعنى بتنظيم الجهود التطوعية في المملكة، وهو يعمل على مأسسة حقيقية لمفهوم التطوع، لأنه لا ينطلق من جمع الأموال والتبرعات، وإنما هو سجل إلكتروني للتطوع يضم قوائم المتطوعين وأفكارهم والجهات الباحثة عن الخدمة سواء كانت حكومية أو أهلية، وهو يقدم خدماته لطالبيها، من خلال التنسيق بين طبيعة الجهود التطوعية المطلوبة ومهارات المتطوعين المسجلين في النادي، وطرح الأفكار التي يراها القائمون على النادي ملائمة للجهات المعنية بمعالجة أي من القضايا الاجتماعية التي تتطلب جهدا تطوعيا، ثم هو يهتم بتدريب وتأهيل الشباب المتطوعين، وتدوير المعرفة التطوعية بكل أشكالها وأنواعها بين أعضائه. * أكاديمي وكاتب سعودي www.binsabaan.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة