استودع الأديب الدكتور يوسف العارف حالة الفجيعة تجاه «الموت» في كتابه الموسوم ب«في حضرة السيد الموت»، عبر لغة رثائية باكية استنبت فيها سيرة ما بعد الموت، موجزة تارة، ومسهبة تارة أخرى، يقول في مقدمته «حسب ما تراءى لي من نور مشيت فيه وما وسعني ذلك، آمل أن تكون الكلمات البوح الجنائزي تذكركم بي عندما يختارني السيد الموت.. وليس ذلك ببعيد، فالموت أقرب إلينا من حبل الوريد». وكتب العارف مراثيه في الفترة من 1410 إلى 1428ه، مبينا حاله في تلك الفترة بقوله: «كنت ومازلت أثيرا لدى السيد الموت، وكان في الوقت ذاته أثيرا لدي لا أتوجس منه خيفة، أحبه.. أنتظره في كل حين !! لكنه يفاجئني بفقد حبيب، أو قريب، أو صديق، أو مثقف، أو تربوي له في النفس إجلال وتقدير»، مضيفا: «في تلك الفترة، ومع كل موت، كان القلم يسطر مراثيه، ويسجل ذكرياته، ويقدم قراءته الباكية، فيما يمكن أن نسميه (سيرة ما بعد الموت)، وتتفضل بعض صحفنا ودورياتنا بنشر ما نكتب، والبعض منها يستكتبنا لرثاء فقيد زفه الوطن إلى مثواه الأخير!!، هنا يبدو السيد الموت مثيرا حد الدهشة يجيء كالطير، يلقط من صدرك الأغنيات، ومن كفك بعض أصابعها، ومن قلبك الأوجه الطيبة، كما قال أخي المبدع الدكتور سعيد السريحي ذات رثائية فارعة اللغة، جامعة المعنى والدلالة. لازلت أتفيأ عباراته كلما حل بنا السيد الموت».. ويوضح «فاجأني الموت باختيار السيدة الوالدة، ثم الوالد، ثم ابن العمة، ثم ابن الأخ، وهذا على المستوى الأسري، وعلى المستوى الثقافي فاجأني بوفاة علامة الجزيرة العربية حمد الجاسر، وعلامة الجنوب محمد العقيلي، والقاص والأديب عبدالعزيز المشري، وعلى المستوى التربوي، فاجأني بوفاة منصور الغامدي، وعلي فلاته، وجميل عبدالجبار، وعلى المستوى الوطني، فوجئت الأمة العربية والإسلامية والسعودية بوفاة الملك فهد بن عبدالعزيز. وأما هذه الاختيارات للسيد الموت، كان لابد للقلم أن يتحرك، والفعل الكتابي أن يتفاعل؛ فينتج هذه الرثائيات في أزمان وأوقات مختلفة؛ لكن الذي يجمعها هو السيد الموت، واللغة التي تتحول من ذهنية المناسبة إلى واقعية الطرح، ومستقبلية البقاء، مما يجعل أمر جمعها في كتاب توثيقا مسوغا من عدة نواح، أبرزها حفظ المنتج الكتابي المتفرق في حيز معرفي واحد، سهل التناول والرجوع والمثاقفة».