التعميم غير مأمون علمياً وموضوعياً. وإذا ما حدثت ثورات في بلدان عربية هي بحاجة فعلية إلى ذلك، فلا يعني أن هذا الحدث يمكن تعميمه على كافة البلدان العربية. وعلينا قبل كل شيء أن ننتظر لنرى مآل الثورات التي «انتصرت»، وما «البدائل» التي جاءت بها... ثمّ – وهو الأهم – ما الظروف الموضوعية المحيطة ب «محاولات» كهذه... وما الثمن الذي يتحتم دفعه من حياة الأوطان – بشرياً واقتصادياً – لتحقيق ذلك. أو كما قالت صحيفة «الأنوار» اللبنانية، وأعادت نشره صحيفة «الأيام» البحرينية بتاريخ 19/2/2011: «هل صار استسهال الثورات إلى هذا الحد، حيث كلما وُجِّهت دعوة على (الفايسبوك) تندلع ثورة؟». لو صح هذا الأمر لكانت دول الكرة الأرضية قاطبة في حالة ثورة، فما من بلد في العالم إلا ولدى أبنائه ومواطنيه مطالب، منها ما هو سياسي... ومنها ما هو اجتماعي. «بعض الدول، ولا سيما الغربية منها، تحتاج إلى ثورات لخفض (فائض الحرية) لديها، والذي تحوّل إلى أزمة أخلاقية تهدد تماسك العائلات والمجتمعات. في المقابل، تحتاج بعض الدول إلى ثورات للتحسين. ولكن إذا اندلعت الثورة للثورة، على طريقة الفن للفن، فإن الدول والمجتمعات تدخل في المجهول الذي هو أسوأ النتائج. «المغزى من هذا الكلام أنه لا يمكن استنساخ الثورات، لأن الدول والمجتمعات غير مستنسخة. «ما ينطبق على تونس ومصر لا ينطبق على البحرين مثلاً، فهذه المملكة تلفتت إلى حقوق شعبها، وعرفت الاستقرار كثابتة من ثوابت النظام...». «... إن البحرين تنعم بدرجة متزايدة من حرية التعبير، ومن تحسن كبير في حقوق الإنسان». يمكن للمرء أن يفهم – في دول جمهورية – قيام محاولات للتغيير في حالة استمرار حكام في السلطة لعقود طويلة، أما في حالة الأنظمة الملكية – شريطة التقيّد بأحكام معينة معلنة، كالدستور والقانون، أو الأحكام الأساسية، مع التطور المستمر في ظل الحريات العامة، وتقليص الفساد... إلخ – فإنه في مثل هذه الحالة يمكن العمل على التطوير والتحديث، بمختلف السبل، مقابل الاستماع والقبول بالتطلعات الشعبية الإصلاحية، واتخاذ ما يلزم لتنفيذها. ومن التجارب التي نجح فيها التغيير، لم تتضح بعدُ طبيعة النظام الذي سيتحكم في المدى المنظور، وينبغي عدم استبعاد قيام دكتاتورية أيديولوجية ذات صفات محددة، بعد انتهاء «العرس الثوري!»... أو اكتشاف أن أجهزة النظام القديم قد عادت إلى السلطة، بعد أن تذهب «السكرة» وتعود «الفكرة»! في وقت من الأوقات، وفي وقتنا هذا – فما أشبه الليلة بالبارحة –، في ظل التراجعات والإحباطات التي تعانيها الأمة، ساد ويسود شعور عارم بضرورة «التغيير»، ولكن التجارب علمتنا، نحن الذين عاصرناها، أن شهاب الدين «أسوأ» من أخيه، وأن من يأتي أنحس من الذي قبله، ولا بد من تطور وتقدم شامل قبل ذلك. «فكما تكونون يولّى عليكم». كما قال الإمام علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه. هذا لا يعني أنه لا أمل في التغيير والإصلاح، لكن الأمر ليس بالسهولة التي يمكن تصورها. حقاً هناك أنظمة حكم لا يمكن الدفاع عنها، غير أن ثمة فوارق يمكن تبنِّيها بين أوضاع وأوضاع إذا حكَّمنا العقل والمنطق السليم. ولكن ذلك لا يمكن أن يقوم به «الشارع السياسي»، لا بد أن نخباً من كافة قطاعات الأمة – غير مسيَّسين قبل كل شيء (ولا أعني المثقفين وحدهم، فذلك حديث يطول)، يتصدون للقيام بهذه المهمة التقييمية لتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود. إن عالمنا يتغير بسرعة، والتقنيات الجديدة في عالم الاتصال تزيد من هذه السرعة. والشباب يتأثرون، لكنهم يحتاجون إلى التجربة. ومن إيجابيات هذه الظاهرة أنه تم اكتشاف إيجابية شبابنا بعد أن بقينا طويلاً نرثي لمستقبلنا في ضوء انطباعاتنا غير الدقيقة عنهم. إنهم أناس طيبون مثلنا، ولا بد من أن نتفاعل معهم، ونعيد النظر في أحكامنا بشأنهم...! على صعيد آخر، صحيح أن الموقف العربي من التعنت الإسرائيلي بشأن عملية السلام ليس بالموقف المجدي، ولكن هل نحن متأكدون أن «هاجس التغيير» يمكن أن يؤدي – إذا تحقق – إلى موقف عربي مختلف؟ بعد نكبة 1948 ساد العالم العربي شعور عارم بضرورة تغيير الأنظمة التي «خانت» القضية الفلسطينية. وساد الترحيب بالانقلابات الثورية (العسكرية)... وبعد سنوات من التصفيق والهتاف ماذا كانت النتيجة؟ نأمل ألا تكون الحالة الراهنة كتلك الحالة! لا بد من أن نعمل أولاً من أجل «التقدم» ومعالجة المعوِّقات الموروثة المترسبة في واقعنا، والتي تعيقنا عن اتخاذ الخطوات الصحيحة تجاه أي وضع. لا بد مما ليس منه بد! وما يدعو إلى التفاؤل، أن الأغلبية من العرب صارت، سواء في حركاتها الاحتجاجية أو تعبيراتها الأخرى، تطالب بتحسين أوضاعها المعيشية ومكافحة الفساد في ظل الديموقراطية (وهذا حق)، ونأمل في أن يكون في ذلك نمو للديموقراطية فعلاً، فالديموقراطية لا يمكن أن تأتي هكذا فجأة، ولا بد من أن تنمو بالتدريج... وعبر مراحل عدة. ولإنجاز هذه المهمة، فثمة مسؤولية مشتركة: أن يعمل من هم في السلطة على إنماء الطبقة المتوسطة التي تمثل عماد الديموقراطية، وأن يهتم من هم في الجانب الآخر بتنمية الوعي الفكري لدى الغالبية من الناس، فلعلّ وعسى! * كاتب من البحرين