لا يعرف الروائي اللبناني علي سرور في أحدث رواياته «سادة الاستفهام» أنصاف الحلول، فهو يدلف إلى ساحة الحرب عبر اثنين من أبطال الرواية حرب الأول وحرب الثاني. والعمل رغم أنه يميل إلى الرؤية الفلسفية حول منطق الحرب، إلا أنه يرى أن القاسم المشترك بين العلم والجهل والدين هو القتل المجاني. ويقدم الروائي إدانات للحروب بكافة أشكالها، كما يدين يد الإرهاب التي تضرب يمينا ويسارا. وفي مستهل الرواية يضع سرور أسئلة شاردة يطرحها بطل الرواية حرب الأول والذي يعيش في أتون نيران الحرب وتمضي الرواية في طقوس ساخنة بين البطل الأول ونظيره الثاني وتتخلل الهوامش الساخنة وقفات لإطلاق النار في ساحة المعركة، ويبدو أن الكاتب يصور أحداث الحروب التي مرت بها لبنان منذ أواسط السبعينيات من القرن الماضي وينعي مدينة بيروت التي كانت تمشط شعرها الطويل على كتف المتوسط. أحداث متسلسلة تزخر الرواية بعالم كثيف من الأحداث المتسلسلة والعميقة التي تدور رحاها مثل حرب لا تهدأ، كما أن أبطال الرواية يعيشون في ديالوج من النوع الملح، حيث يتساءلون عن وقف إطلاق النار ويحاولون ترميم ما أحدثته الحرب من شروخ نفسية وفي بنية الشارع الذي تتلاحق أنفاسه مثل طاحونة تعمل على مدار الساعة. فلسفة الحروب كما تتخلل الساحة عملية لوقف إطلاق النار بين المتحاربين إلى جانب ومضات فلسفية يطلقها أبطال الرواية ويحللون فيها ظروف الحرب وأسبابها إلى جانب أحاديث المكان والزمان والهوامش التي تظهر بين الحين والآخر في مشاهد الحرب، وتتخذ الرواية المنطق التحليلي في تصوير المواقف بصورة دقيقة وتفاصيل فيها الكثير من الإسهاب الذي يقتله روتين الحرب وويلاتها. صور تحليلية الرواية تمتاز بالصورة التحليلية المرتبطة بالمسار الفلسفي لمنطق الحرب إلى جانب تأثيراتها على النفس البشرية، ووجود كافة مشاهد الحرب من متاريس ورائحة الدماء والبارود والرجال المتمترسين خلف الحواجز الترابية، كما أن أجواء العمل ملونة بصورة حرارة الطقس «ذلك كونك لا تلتقي لبنانيا إلا ويسألك عن الطقس أو يبدأ حديثكما في الغالب عن الطقس» التي تشابه حرارته حرارة الحرب، ويبدو أن الكاتب أراد أن يكون العمل فيه رائحة الحرب والصراعات التي تسود في الشرق الأوسط ويحاول بلغة فلسفية فيها الكثير من التحليلات أن يضع أسبابا للكوارث التي تصاحب الحروب في كل مكان وزمان. لغة الشارع أبطال الرواية لا يتحدثون أو يدور الديالوج الخاص بهم مع ساحة المعركة فحسب، وإنما يبثون أسئلة مع الكثير من الموجودات في الشارع والتحدث إليها بلغة فارطة لا تخلو من الجدية في معظم الأحوال، ويمتاز أبطال الرواية بشخصيات مركبة ومعقدة فهم شفافون وأحيانا منغلقون وقد تجدهم دمويين يستيقظون على رائحة الدماء والزعيق في ساحة الحرب. أشباح الحرب والطريف أن الكاتب يدور أحيانا في حلقات حول الصراصير وربما يعني بذلك أن أشباح الحرب تعيش في أوردة وشرايين المجاري «المجارير»، وأن الذين يشعلون النار دائما يختبون مثل الخفافيش في الظلام ويحاولون مباغتة خصومهم وهم نيام. ويدخل الكاتب في نهاية الرواية في أسئلة فارطة من الدهشة بين الكثير من الأحياء الفطرية وحرب الأول وحرب الثاني وتدخل في هذه السيناريوهات ضفادع وصراصير والكثير من الحكايات عن الحرب والخوف، وأخيرا يخرج الصديق الروائي علي سرور في روايته هذه «سادة الاستفهام» على سائد أدبه المرتبط بفن «الأيروتيك» الذي تناوله في رواياته المتتابعة في السنوات الأخيرة. التقيت سرور في مجموعة من الأدباء والأصدقاء في معرض بيروت الأخير للكتاب في ديسمبر الماضي ومنهم إبراهيم الجريفاني وظافر الحجري والروائية اللبنانية رشا الأمير.