الشريف الرضي شاعر عباسي بديع الشعر، يغزل القصائد العذبة، فتنساب إلى أعماق الروح المنهكة والظامئة إلى الجمال والحب فتحييها. يوم أمس كنت أطالع بعض شعره طمعا في غسل الشحوب الروحي داخلي، فإذا بي أتوقف عند قصيدة جميلة ترتسم فيها فلسفة غريبة، كأن الشريف الرضي أراد بها أن يخط للناس قواعد جديدة يسيرون عليها في منهاج حياتهم، فالناس اعتادوا أن يثنوا على الصدق، ومنه الصدق مع الذات، هم يرون أن من الضار الكذب على النفس وخداعها وتضليلها، وأن مواجهة النفس بالحقيقة، مهما ساءت أو قست وعدم الغش في تزييفها هو أمر لصالح الإنسان. لكن الشريف الرضي في قصيدته تلك كان متجها في خط آخر، مختلفا تماما. يقول في أبياته الشجية مخاطبا نفسه، وموجها ذاته نحو ما يراه خيرا لها: قف موقف الشك، لا يأس ولا طمع وغالط العيش، لا صبر ولا جزع وكاذب النفس، يمتد الرجاء لها إن الرجاء بصدق النفس، ينقطع وخادع القلب، لا يودي الغليل به إن كان قلب على الماضين، ينخدع. مواجهة الذات بالحقائق المرة، مؤلم، والصدق معها يهلكها، فهو لا يترك لها مساحة من الأمل، تريحها إن لم تبهجها، الصدق هنا لا فائدة منه، فما جدوى أن يعرف القلب أن الغياب أبدي وأن الهجر متصل، ما جدوى أن يعرف تلك الحقيقة المرة سوى أن يهلك بها! لذلك من الرفق بالنفس، الكذب عليها، وتضليلها ومخادعتها، شفقة عليها أن تهلك بالحقيقة القاطعة فالحقائق حين تكون فوق الاحتمال في قسوتها وقبحها، يصير الشك في صدق خيرها نوعا من الراحة للنفس، وحين يكون هناك قبس من ضوء أمل، يسهل على القلب التعامل مع ما يحيط به من ظلام اليأس. ربما لهذا تنادي فيروز الحبيب بأن يكذب عليها فيؤملها بالزيارة: (اكدب علي، الكدب مش خطية)، فخداع القلب بالإيحاء إليه أن صد الحبيب وغيابه أمر مؤقت وأنه عائد لا محالة، هو من أجل إنقاذه من أن (يودي الغليل به). لكن الشريف الرضي، ليس مثل فيروز، هو لا يريد كذبا بحتا، هو يدرك أن الكذب المجرد سيورثه في النهاية إحساسا خائبا عندما لا يتحقق ما كذب به على نفسه، هو يريد كذبا ممزوجا بالصدق وصدقا ممزوجا بالكذب، فيمضي أيامه في شك (لا يأس يحترق بسببه، ولا طمع يصدم بعدم تحقيقه). حين نتأمل في هذه الفلسفة (الرضية)، المائلة إلى أن يغالط الإنسان نفسه فيما لا يعجبه من حقائق الواقع فيصورها على غير صورتها، ويلتمس لها من الأعذار والأوهام ما يخفف من حدة وطأتها عليه، هل هي حقا في صالح الإنسان، أم أنها تخدير للذات تستعين به على تحمل ألم الحقائق القاسية، ليس إلا! فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة