يتخيل الكثيرون منكم أنهم يعرفون ألوان باصات (خط البلدة) التي تعتبر من سمات مدينة الرياض مثلما يعد الباص ذو الطابقين من سمات مدينة لندن أو مثلما يعتبر وايت الصرف الصحي الأصفر من سمات مدينة جدة، وغالبا ما تقفز إلى أذهان الناس ألوان باص خط البلدة الذي كان يقوده الفنان فايز المالكي في مسلسل (إخواني وأخواتي) فيظنون أنه هذا هو اللون الوحيد لهذه الباصات الصغيرة العجيبة، ولكنني في لحظة فراغ عظمى بدأت بتأمل باصات خط البلدة في شوارع الرياض فاكتشفت أن بعضها يعتمد على خطين (أصفر وأخضر) والبعض الآخر (أحمر وأزرق) وقسم ثالث (بني وأسود)، وهكذا يعكس تنافر الألوان حالة الفوضى التي تعيشها صناعة النقل في هذه المدينة العملاقة المزدحمة. وباص خط البلدة لمن لا يعرف قصته الخالدة كائن معدني استعصى على الانقراض حيث تم إيقاف الترخيص لمثل هذا النوع من (الحافلات الشعبية) قبل سنوات بعيدة، وكانت الجهات التي قررت إيقاف منح تراخيص جديدة تراهن على الزمن وأنه سيأتي يوم من الأيام ينتهي فيه العمر الافتراضي لهذه الباصات وتتوقف تماما عن الحركة في شوارع المدينة. ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان حيث حافظ ملاك هذه الحافلات على الهيكل الخارجي للباص وعلى الترخيص وبدأوا بتجديد كل جزء يتعطل فيه أو يتآكل مع مرور الزمان، وقد تصالح الناس مع هذا الكائن المعدني الغريب الذي يسمى (خط البلدة) حتى أصبح جزءا من الثقافة المحلية واكتسب سائقوه صورة نمطية تتمثل في السائق العصبي الذي يتفاهم مع الركاب الذين يدفعون الأجرة ب (المشعاب)!. وحتى هذه اللحظة لم يفكر أحد بوسائل نقل عصرية داخل الرياض سواء كانت شركات حافلات متقدمة أو محطات مترو، وكذلك الحال بالنسبة لمدينة جدة حيث يعاني قطاع كبير من الناس من مشاكل المواصلات داخل هذه المدينة شديدة الازدحام وخصوصا الطالبات الجامعيات اللواتي يضطر بعضهن للخضوع لمزاجية سائقي الليموزين الذين يحسبون قيمة المشاوير حسب درجة الازدحام. هذا بالنسبة إلى واقع الحال داخل المدن الكبيرة، أما عن التنقل بين مدن البلاد فحدث ولا حرج حيث (خط البلدات) الذي لا يتقدم قيد أنملة فشركات الطيران الخاص التي دخلت أساسا من أجل الرحلات الداخلية تخلت عن هذه المهمة واتجهت بشكل كامل للرحلات الداخلية بينما تلوح الخطوط السعودية بإمكانية رفع قيمة التذاكر الداخلية ووفي ذات الوقت لا تتوفر شبكات سكك حديدية متقدمة بينما تبدو شركة النقل الجماعي خارج العصر تماما. لن نضيف جديدا لو قلنا إن وجود صناعة نقل متقدمة في بلد مترامي الأطراف مثل المملكة يعد أمرا استراتيجيا وحيويا ويحمل أبعادا اقتصادية واجتماعية لا حصر لها، ومن هنا حتى نتجاوز مرحلة الدراسات التي لا تفضي إلى شيء والمجسمات يمكننا أن نعقد مؤتمرا وطنيا لسائقي خط البلدة يقررون خلاله اعتماد لون واحد لحافلاتهم التي استعصت على الانقراض!. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 211 مسافة ثم الرسالة