في بداية علاقتي بالصَّحافة وأنا صَغير، كُنتُ أدَّعي «قراءة الصُّحف والمجلَّات»، وأتَظاهر أمام أصدقائي مُمسكاً بصَحيفة، مِثلما يَتظاهر أكثر «المَشاهير» بقراءة الصُّحف؛ التي تُجري المُقابلات معهم، كُنتُ آنذاك بالصَّف الأوّل المتوسِّط، في مَعهد جُدَّة العلمي، حينها سَألتُ أحد زُملاء دراستي، لوالده علاقة بالصَّحافة والإعلام، وقلتُ له: اسأل أبَاك عن أهم مجلّة «شُجَاعة»، يُمكن لمُبتدئ مِثلي أن يَستفيد مِنها، فمَا كَان مِنه -بعد أيَّام- إلَّا أن قال لي: «إنَّها مجلّة اليَمامة»..! ذَهبتُ على الفور، واقتنيتُ عَدداً مِنها، وكَان ذلك في حدود عام 1401ه، وفي ذَلكم الوَقت كُنتُ رَفيق حَافلات «خَط البلدة»، تلك البَاصات التي تَجوب مدينة جُدَّة، مِن أقصى الشّمال إلى آخر الجنوب، بتَكلفة مُتواضعة هي «ريال واحد»، وفي نَفس العَام، ظَهر «النَّقل الجماعي» بوَصفه «سَمكة كَبيرة» تَسعى لالتهام «السَّمك الصَّغير»، مِن أمثال «خَط البلدة»، وهنا تَجلَّت لي «مجلّة اليمامة».. ففي ذَلكم العَدَد، كانت قضيّة الأسبوع تَدور حول (الحَرب القَائمة بين حَافلات «النَّقل الجماعي»، وبَاصات «خط البلدة»)، وفي دَاخل القضيّة «تَصريح عَنتري»؛ لأحد مَنسوبي «النَّقل الجماعي» يَقول بالحَرف الوَاحد: (يا نحنُ أو هُم في النَّقل، ومِن المُستحيل أن نَتشارك مَعهم أو نَحتويهم)..! قَاتل الله النِّسيان –حيثُ لم أعد أتذكَّر صَاحب هذا التَّصريح- رغم أنَّ ذَاكرتي وفيّة، وتَفزع لي عند اللزوم.. ليتنا نَتذكَّر صاحب هذا التَّصريح، مِن خلال العَودة لذلكم العَدد، ليَتم مُحاسبة هذا المَسؤول..! وإليكم القضيّة أيُّها الجيل الجَديد... لقد كان لدينا بين المُدن حَافلات مِثل «خَط البَلْدَة»، و«الأنيسة»، و«البَاصَات المُتواضعة»، التي تَنقل السكَّان مِن حي إلى حي دَاخل المُدن، وبثَمنٍ زَهيد، ثُمَّ جَاء عَهد «الدَّكاترة» و«التّكنوقراط»، فارتأوا أن تُلغى مِثل هذه «النَّاقلات العَشوائيّة»، وتَحلُّ مَحلَّها حَافلات «النَّقل الجَماعي».. ثُمَّ دَخلوا السّوق، وحَاربوا «صِغَار البَاصات»، وتَنازعوا مَعهم، حتَّى وَصلت الأمور إلى الوزارة، فارتأى أصحاب القَرار أن تَعمل هذه البَاصات الصَّغيرة؛ حتَّى تَموت بالانقراض الطَّبيعي، على أن لا يُعطى أي تَصريح لأي حَافلة جَديدة، كُلّ ذلك مِن أجل أن تَخلو السَّاحة، ليُسيطر عليها النَّقل الجماعي، وتَبدأ مَعركة رُباعيّة لها أربعة أضلاع: «الوزارة والنَّقل الجماعي وخَط البَلْدَة والمُستهلك»..! حَسناً.. كيف انتهت المَعركة..؟! انتهت إلى تَدمير البَاصات الصَّغيرة «العشوائيّة»، وبَقي عَدد يَسير مِنها «يقاوم مِن أجل البَقاء»، أمَّا السيّد «النَّقل الجَماعي»، فقد عَمل في الموقع لمدَّة ثَلاث أو أربع سَنوات، ثُمَّ لاذ بالفرار، بَعد أن حطَّم أهل «الصَّنعة»، وضيّق عليهم أرزاقهم، وشَتَّت شَمل بَاصاتهم، هكذا بكُلِّ بساطة، فلا هو عَمل، ولا تَرك غيره يَعمل..؟! حقًّا.. بَعد كُلّ هذه السّنين، ها نَحنُ أمام تَعاسة كَبيرة تُسمَّى: «مَأساة النَّقل العَام دَاخل المُدن»، ومِثل هذه الكبوة كَلَّفتنا «مليارات الرّيالات».. وأورثتنا مَشاكل مواصلات لم يحلّها ملايين السَّائقين، الذين لا يَتعلَّمون القيادة إلَّا على ملعبنا، وبين جَماهيرنا، وكُلّ ذلك يَتم على نَفقتنا..! حَسناً.. مَاذا بَقي..؟! بَقي أن أقول: صَحيح أنَّ هذه مُشكلة قَديمة، لكنها مُتَّصلة بالحَاضر، لذا مِن اللائق أن نُحاسب مَسؤولي «النَّقل الجماعي»، حيثُ حَطّم ما هو قَائم، ولم يَصمد أمام ما هو مَأمول ومُنتظر مِنه، كما أنَّنا بحَاجة مَاسَّة إلى التَّأكُّد مِن صَلاحية آراء الكُتَّاب التي تُطرح الآن في شتَّى القَضايا، لأنَّ أغلب الكُتَّاب في ذَلكم الوَقت كان يُؤيِّد فكرة «النَّقل الجَماعي»، ويُحارب «خَط البَلْدَة»، لذا لابد مِن «قَرص أُذن أولئك الكُتَّاب»، لأنَّهم زيّنوا سوء العمل.. بَل بعضهم مازال يَفعل ذلك.. وأظنّه سيَظل.. والله من وراء القصد..!.