لم يدر بخلد أبو سعد الأربعيني أن دخوله لمغسلة خيرية لغسل الموتى، سيجعل منه شخصاً متمرساً خبيراً في تكفين وتجهيز الجنائز للدفن، من خلال دورة مكثفة تعلم منها الكثير من الأحكام والقواعد الفقهية المتبعة في هذا الأمر. في المغسلة الخيرية في جامع المهاجرين تتجلى الأحكام والقواعد الفقهية المتبعة في الغسل والتكفين والتجهيز، هي أشبه ما تكون بمراكز لاحتواء أعداد كبيرة من المتطوعين في غسل الموتى بلا شهادة، حيث يرافق الميت في المغسل أكثر من 20 متعلماً. هذه المغسلة أطلقت دورة تأهيلية في مجال تعليم التغسيل والتكفين، وكانت مدتها أربعة أيام، يومان للدراسة النظرية من كتاب الجنائز، ويومان للدراسة التطبيقية داخل منطقة الغسل والتكفين، كما نظمت دورة مشابهة بالتنسيق مع معهد إعداد الأئمة والدعاة التابع لرابطة العالم الإسلامي التحق فيها 40 طالباً من 25 دولة إسلامية، تعلموا كيفية غسل الميت وتكفينه. ومن القصص المؤثرة التي يرويها بعض المرافقين للجنائز داخل المغسلة، أن شاباً تعرض لحادث مروري محزن، فأخبرني أحد ذويه أنه في نهار الحادث ذهب إلى جدة لزيارة خاله والسلام عليه، وأثناء إقامته عند خاله اتصلت به والدته من مكة ليوصلها إلى عزاء بعض معارفهم، وتلبية لرغبة والدته انطلق هذا الشاب بسيارته راجعاً إلى مكةالمكرمة، وفي الطريق حدث له حادث مأساوي أودى بحياته، فبدلا من أن يوصل والدته إلى العزاء أحضروه إلى مغسلة الأموات، ووالدته تنتظر وتتصل عليه قلقة، إلى أن تفاجأت بخبر وفاته، فكانت الفاجعة، وبعد الانتهاء من تغسيله كان والده بجواره لسانه لا يفتر من الدعاء له وقوله له «إني راضٍ عنك في الدنيا والآخرة». وآخر يقول إن ولده توفي في حادث مروري عندما كان في طريقه لشراء أثاث لشقته الجديدة التي سيزف زوجته إليها بعد عدة أيام، ويأتي الموت ليحول بينه وبين أمنيته. وتشير سجلات مغاسل الموتى إلى أن نسبة حالات الوفيات تصل إلى 60 في المائة للرجال، و40 في المائة للنساء.