أكثر من مرة كتبت عن المخرج المصري «خالد يوسف»، مرة واحدة، امتدحت مهنيته، كان ذلك في فيلم «حين ميسرة»، أفضل أعماله حتى الآن، بينما ظلت معظم كتاباتي عنه لاذعة ومتهكمة، ومنحازة إلى سينما أخرى، أقل ضجيجا، وأكثر تمهلا، في فهم الشخصيات، وأعمق رؤية في حراك الحدث، وتحريك الكاميرا، والخلاصة أن «خالد يوسف» مخرج سينمائي جيد، ولكنه يحلم بأكثر مما يمكنه فعله دائما، خياله جامح، لكنه غير قادر على ترويض أدواته، وتطويعها، للخروج بفيلم سينمائي معتبر، ومع أن كثيرا من أهل الإعلام، والصحافة، ولا أقول النقد، يعتبرونه التلميذ الأكثر نجابة، للراحل المبدع «يوسف شاهين»، ورغم أنه على المستوى الشخصي، والحياتي، يستحق مثل هذا الوصف، إلا أنه على المستوى المهني، والسينمائي، لم يقدم أبدا ما يشفع له بمثل هذا الوصف، وهذه الصفة، فلا نجابة، ولا هم يحزنون. وإذا كان دليل المعارضين، لرأيي هذا، أو أكبر أدلتهم، يتمثل في إصرار «يوسف شاهين» نفسه على أن يحمل آخر أفلامه، توقيعا إخراجيا مشتركا، فنقرأ على تترات فيلم «هي فوضى»، الاسمين معا، فإنه لا دليل عندي أكثر من هذا على أن «يوسف شاهين»، لم يؤمن بموهبة، أو على الأقل قدرات «خالد يوسف»، في الإخراج السينمائي، وأغلب ظني أن «شاهين» أراد التبرؤ من أشياء كثيرة في هذا الفيلم على مستويات عديدة، أهمها الحركة، والكادر، وعمق الشخصيات، ولم يشأ لنفسه نهاية أقل فخامة مما تستحق تجربته الفريدة، ولذلك كان إصراره شديدا على وضع اسم «خالد يوسف» معه في تترات الفيلم، كمخرج مشارك بالمناصفة، وليس كمخرج مساعد، أو مخرج منفذ، كما فعل ذلك مع أسماء شقت طريقها الإبداعي بتميز مذهل، فيما بعد، مثل «يسري نصر الله» مثلا. أما التلمذة، فليس في مصر كلها، تقريبا، مخرج سينمائي، لم يتعلم من «صلاح أبو سيف» أو «يوسف شاهين»، اللهم إلا إذا كان زمنه سابقا لزمنهما، عد، وسوف يتعبك العد: «محمد خان»، «علي عبد الخالق»، «سمير سيف»، «داوود عبد السيد»، «عاطف الطيب»، «خيري بشارة»، «رضوان الكاشف»، «يسري نصر الله»، «إيناس الدغيدي»، «رأفت الميهي»، و«أسماء البكري»، التي لا أدري أين اختفت، وحتى مخرجي هذه الأيام وأهمهم «هالة خليل»، و«مروان حامد»، و«محمد أمين»، جميعهم تتلمذ إما بشكل مباشر أو بأشكال غير مباشرة على سينما «صلاح أبو سيف»، و«يوسف شاهين»، وأكاد أقول إن جميعهم حتى وإن قدم أفلاما ضعيفة، متواضعة، كان أكثر نجابة من «خالد يوسف»، الذي لم يخرج من جلباب أبيه «شاهين»، لكنه أساسا لم يلبس الجلباب نفسه، وإنما شبه له. وقد شاهدت «خالد يوسف» على شاشة العربية، الإخبارية، كثيرا في الأيام الفائتة، فقد كان حضوره مميزا، كمناضل ثوري، ملتزم، وهو أمر يحسب له دون شك، بل أقول إنه لو لم يكن له دور في هذه الحياة سوى استغاثته النبيلة، وتنبيهه الرائع، لضرورة حماية المتحف المصري من النهب، لكفاه ذلك شرفا، وهو شرف إنساني عظيم، لكنه ليس شرفا فنيا أبدا، ولو كان يقدر «خالد يوسف» على نيل شرف فني، لكان قادرا على حمل كاميرته، وتسجيل ما لا يمكن لفنان إلا تسجيله في أعمق لحظات ميدان التحرير وأكثرها سخونة، وأعلاها كبرياء، وأهمها قيمة، لكنه لم يفعل. وبدا لي أن الرجل متورط في «يوسف شاهين» على نحو آخر، لم اكتشفه قبل اليوم، بدا لي أن «خالد يوسف» يحلم أن يكون بطلا من أبطال أفلام «شاهين»، وأنه كان يتحرك هنا وهناك، إيمانا منه بأن كاميرا «يوسف شاهين» تلاحقه، وتصوره، من هنا تبدأ عقدة «خالد يوسف» التي لا أعرف إلى أين ستنتهي. كلمة أخيرة: فرق شاسع بين أن تكون تلميذا أو أن تكون خادما!.