إن قراءة مؤشرات البطالة بصورة تجريدية فقط لن تكون مجدية في وضع الحلول، دون التعمق في معرفة الكثير من التفاصيل التي تحيط بزيادة معدلات البطالة. فأحد أبسط أوجه البطالة هو ترك العمل إما لأسباب قسرية أو اختيارية. وما زالت هناك الكثير من مشكلات سوء الإدارة التي تحيط بالإدارات العليا والتنفيذية في معظم الشركات. وزاد من تفاقم هذه المشكلة تغلغل أصحاب مسؤوليات إدارية كبيرة من غير السعوديين داخل منظومة الإدارات في تلك الشركات، الأمر الذي يؤدي في كثير من الحالات إلى نشوء صراع قوي يأخذ طابع العلانية أحيانا، وأحيانا كثيرة يختفي وسط نفوذ تلك الكوادر التي تحتمي بسلطة أصحاب القرار في تلك الشركات. ولا يعنينا كثيرا هنا معرفة تحالف أصحاب القرار مع الكوادر غير السعودية التي أصبحت تحارب بصورة علنية الكوادر السعودية، ما كان منها من أصحاب الخبرة أو حديثي التخرج الذين يحلمون بفرص عمل مدعومة بحماس وتأهيل علمي وتدريبي بذلت فيه الدولة جهودا جبارة، وأنفقت بسخاء، ووضعت الكثير من البرامج من أجل مخرجات تعليمية أفضل. وتنحصر مشكلة البطالة في حديثي التخرج أو ممن لم يسبق لهم العمل، بل إن هناك أيضا فئات تزيد من تفاقم هذه المشكلة وهي كوادر سعودية مهددة بالطرد لأسباب قلما تتعلق بانخفاض مستوياتهم الإدارية أو المهارية بقدر ما تتعلق بجوانب أخرى خطيرة، يمكن إدراجها تحت دائرة الفساد الإداري والفكري لدى أصحاب الوظائف الكبرى ذات الامتيازات المالية. والمراقب لتطور رضا موظفي غالبية الشركات وخاصة قطاع المصارف وقطاعات أخرى، يلحظ كثيرا مدى التعسف الذي يستخدم ضد موظفي الإدارة الوسطى والدنيا، في الوقت الذي ينعم أصحاب المناصب الرفيعة في الإدارات التنفيذية ومجالس الإدارة بمزايا تفوق الخيال، حتى أصبحت الأمور لا تدار بفكر تعظيم أرباح الشركات بخفض التكاليف والضغط على المصروفات، ولكن بفكر ينطوي تحت طبع الأنانية في تعظيم علاوت ومزايا أصحاب تلك الوظائف، واستئثارهم بمجهودات الصغار. وليت الأمور تقف عند حد حرمان الصغار من المزايا والعلاوات حين تحقيق الأرباح، لكنها تتعداها إلى الضغط على أصحاب الوظائف الوسطى باستمرار تخفيض التكاليف، عبر تخفيض أعداد العاملين والتربص بأخطاء الموظفين للتخلص منهم. وليس خافيا أن موظفين كثرا يحملون هموم المستقبل نتيجة التهديدات الصريحة والمبطنة بالتخلص منهم، سواء بطرق تعسفية أو استخدام الأنظمة واللوائح للتسلق عليها لمحاربة تلك الفئة، وهذا الوضع سيفاقم بالتأكيد مشكلة البطالة ويكافح مشاريع برامج السعودة ويستغل السخاء الحكومي غير المحدود في دعم القطاع الخاص أسوأ استغلال. وفي النهاية، ستكون النتيجة استمرار استقطاب الموظفين غير السعوديين وتهديدا واضحا للأمن الاقتصادي لقاعدة عريضة من الموظفين المواطنين. إن أحد أكبر الضغوط التي تواجه نمو الاقتصاد هي مشكلة البطالة، فأحد الخبراء الاقتصاديين لخص خطورة هذه المشكلة في تزايد النسبة، وانحصارها في أعمار الشباب الذين يشكلون أكثر من نسبة 70 في المائة من السكان، كما أن النسبة المعلنة عن بلوغ نسبة البطالة إلى 10 في المائة من إجمالي عدد السكان القادرين هي نسبة مرتفعة، والأخطر من ذلك أن نسبة العاطلين من الشباب تصل إلى 25 في المائة.