«من فيض».. من دواخل الأسماء التي يستضيفها هذا الفضاء، نحاول مقاربة جوانب مخزونها الثقافي والمعرفي، واستكناه بواطنها لتمطر، ثم تقديمها إلى الناس، مصطحبين تجاربهم، ذكرياتهم، ورؤاهم في الحياة ومن حولهم، وذلك على شاكلة أسئلة قصيرة وخفيفة في آن معا. السد العالي لقب حمله نجم من نجوم الإبداع الكروي في الملاعب السعودية وقائد جمع بين الفن والخلق، ودع الملاعب لكن مهارته وأداءه باقيان في ذاكرة الجماهير الكروية حتى خارج الحدود على مختلف ميولهم وانتماءاتهم. أحمد جميل اسم تردد كثيرا في المدرجات وهتفت باسمه الأصوات .. وترك بصمة بارزة في تاريخ المشاركات الكروية المحلية والدولية التي تواجد فيها وساهم في صناعة مجد الكرة السعودية في مرحلة دونتها سجلات التاريخ .. كان نموذجا فريدا للعب الرجولي والصلابة في مركزه وسدا منيعا أمام المهاجمين في ناديه الاتحاد وفي منتخب بلاده .. ارتبط اسم جميل وعطاؤه باللعب النظيف والخلق القويم وتميز بفن القيادة في المستطيل الأخضر. أحمد جميل نستضيفه اليوم في غيض من فيض قبل أن يشارك في مباراة تكريم بمناسبة اعتزاله تأخرت كثيرا. • اللعب في التراب ودواري الحارات، كيف كانت بداياتك ؟ من الطبيعي كل نجومنا بدؤوا حياتهم الرياضية في الملاعب الترابية، وبالنسبة لي كنت في يفاعتي أحد لاعبي دوري القبي وهو دوري شهير جدا في جدة وتخرج منه الكثيرون من نجوم الكرة في منطقة المحجر وأذكر أنني كنت في فريق السهم في هذا الدوري ومن زملائي اللاعبين الذين تخرجوا منه وأقول تخرجوا بمعنى الكلمة أسامة حسين وحسين عطية، وأذكر في فريق آخر في الدوري كان هناك حسام أبو داوود وباسم أبو داوود. • اتجه نجوم الكرة السعودية إلى التحليل الفضائي، هل هذا لزيادة دخلهم أم بحثا عن الشهرة التي أفلت؟ طبعا يهمني أن أتابعه وأعتقد أن إيجابياته عديدة لأسباب منها أن هؤلاء ليسوا من خارج الاهتمامات الرياضية وبالذات في كرة القدم فمعظمهم لاعبون سابقون وإعلاميون حياتهم مع الكرة طويلة ممارسة ونقدا وإعلاما لذا أرى أن ما أتاحته الآن الفضائيات المختلفة المتخصصة في الرياضة وغيرها في هذه الاستديوهات التحليلية فيه الكثير من الفائدة للاعبين أنفسهم وللمتابع في نفس الوقت ذلك كون بعض اللاعبين اليوم يحتاجون إلى رؤى وخبرات من سبقهم وأنا بالنسبة لي أيضا أستطيع القول إنني أستمتع بهذه التحليلات بحيث أصحح وأحيانا أخطئ الآراء التي يجانبها الصواب. أما بالنسبة لسؤالك فإذا كان سبب موافقتهم أو عملهم في هذه الاستديوهات لأجل المادة ومتطلباتهم أو لأجل الشهرة والانتشار فأقول لك لما لا ! فمن حق أي فرد أن يحسن دخله متى ما أوتي الفرصة. أما بالنسبة للانتشار فأيضا مشروع له ذلك، أما في النقطة الأخيرة وهي الشهرة فإنني هنا اختلف معك لأنهم في الأصل مشاهير ونجوم وعلى هذا الأساس جيء بهم. • من الذي أطلق لقب السد العالي على أحمد جميل؟ سمعت اللقب كثيرا في المدرجات قبل أن تتناوله الصحافة وأعتقد أن صاحب هذا الجميل على أحمد جميل هي مدرجات نادي الاتحاد وجماهيره. • جيلكم كان يحفر في الصخر عكس الجيل الحالي هل تغيرت المفاهيم أم وراء الأكمة ما وراءها؟ أعتقد أن هذا ينطبق على كرة القدم وغيرها من الاهتمامات والأنشطة الأخرى فألاحظ بشكل عام أن تساهيل الحياة والعمل بجهد أقل كون العوامل المساعدة على الإنجاز في كل مجالات وفرت الكثير، وما أنصح به زملائي أبناء الساحة الرياضية اليوم اعتبار أن الكرة ليست ككل المجالات، إن كرة القدم تحتاج اجتهادا كبيرا ومتتابعا للإنجاز وتحقيق المكاسب فهي مرتبطة بالفكر والذهن المتقد والجسم السليم الذي يحتاج مرانا ومتابعة تأتي بليونة مطلوبة في الملعب، صحيح أن جيلنا والأجيال التي سبقتنا من الرواد في كرة القدم حفروا كما تقول في الصخر لأنه كان يجب أن يفعلوا ذلك، والآن هناك المتوفر من الأدوات التي تساعد اللاعب سواء كانت هذه الأدوات فكرية أو فنية أو حتى من ناحية الدعم الإعلامي ولكن في الختام لا يجب الركون إليها بقدر ما يجتهد اللاعب ويشتغل على نفسه أكثر، المسألة بالنسبة لتغير المفاهيم من عدمه ليس لها مكان في هذه الحالة ولكن كل عصر يتطلب أدوات وفكرا يتعامل معه بشكل مختلف. يظل اللاعب هو صاحب القرار في تحقيق نجومية يتطلع إليها. • متى نرى أحمد جميل على دكة الاحتياط مدربا ؟ حاليا أفكر في هذا الموضوع. دعني أنتهي الآن من مهرجان الاعتزال لأبدأ التخطيط فعلا لدخول دورة تدريبية أو دورات في التدريب لأني سبق أن زارتني هذه الفكرة ولكني أفكر فيها الآن بشكل جاد. لما لا أجرب نفسي في تحقيق ما يراودني. • هل لا تزال تحتفظ بشيء من الود والصداقات القديمة أم ذهبت أدراج الرياح؟ نعم علاقاتي الحمد لله مستمرة مع أصدقائي وزملاء المشوار فمثل صداقات اليفاعة والشباب لا تذهب أدراج الرياح عادة وأنا على صلة بكثيرين منهم، وأقوم بالتواصل اليومي أو شبه اليومي مع محمد الخليوي ومحمد الصحفي وحسن عطية وغيرهم. • لماذا تأخر حفل اعتزالك رغم ما كنت تتمتع به من دلال عندما كنت على رأس القائمة؟ ليس للدلال علاقة في هذا فإرادة الله عندما تأتي يكون كل شيء مواتيا وممكنا، وبالنسبة لحفل اعتزالي فقد كان بالفعل مخططا له أن يتم منذ سنوات طويلة ولكن عندما شاء الله الآن سيكون. • يقال إن محمد نور هو المؤدي للدور الذي كان يقوم به أحمد جميل، كيف ترى ذلك ؟ تقصد في القيادة رغم اختلاف مركزينا، إذا كان ماتقصده كذلك فأقول لك إنه بالفعل بأن هناك تشابها كبيرا بيننا في القيادة وأحيانا في أسلوب اللعب والحركة في الملعب وأحيانا في علامة الكبتنية ووضعها.. القيادة فن يتشابه فيه كثيرون، وإذا عدنا للوراء قليلا تجد إلى أي حد كان نجاح قائدي الفرق في الكرة السعودية. إنك لا تستطيع أن تنسى لطفي لبان وأولاد بكر في الاتحاد وعبد الرزاق أبو داوود وصالح النعيمة وبشير الغول وحامد صبحي وغيرهم. • نجاحات الجيل السابق وفشل الجيل الحالي ما أسبابه ؟ هذا أمر ملحوظ ومنطقي ولكن لا تسميه فشلا هو ليس فشلا ولكن الحياة في مجملها بين الأجيال إنجاز وإخفاق وتوفيق وعدم توفيق ولكن كنا بالأمس نلعب للشعار وللفريق ولحبنا الكبير للنادي ليس جيلنا فقط حتى من سبقونا كانوا كذلك وكانت هذه هي قائمة إيمانهم بما يقدمون، أما اليوم فإنني أستطيع أن أقول إنهم لا يقلون عن جيل الأمس فالكل يلعب من أجل الشعار ولكن حبهم الكبير الآن للمادة، ولعب بعضهم من أجل المادة قد يصنع هذا الفارق الذي تقصده. • كيف يكون دور قائد الفريق مؤثرا وداعما في نظرك؟ بانضباطه هو في البدء وتحليه بكل ما يصنع منه لاعبا كبيرا فإذا لم يكن هو فقدوة منضبط ويعرف ما له وما عليه وقيادي بمعنى الكلمة ويكون مستواه تصاعديا نتيجة اهتمامه بالتمارين وأن يكون له علاقة بكل ما هو جديد وله علاقة بعالم الكرة ثم يكون أعضاء الفريق مجتمعين على قبوله والتعامل معه بشكل جيد، وهذا عامل مهم قد يفوت على البعض. • الأهواء الشخصية في اختيار اللاعبين إلى أي مدى تؤثر على الفريق والمنتخب؟ هذا الموضوع ليس فيه أبيض وأسود كل الأمر يجب أن يكون مناطا أو متروكا للمدرب فهو القيادي الفني في الملعب وهو من يقرر خطة الملعب ولاعبي هذه الخطة وهو من يختار البديل لأنه إذا كنت تقصد الإدارة فالإدارة لا تشاركه في فكره أثناء اللعب عندما يحتاج تبديلا وما إلى ذلك. • هل ظل الدوري السعودي من أقوى الدوريات العربية ؟ بلا شك يعتبر الدوري السعودي من أقوى الدوريات العربية إذا لم يكن في بعض المواسم أفضلها على الإطلاق، وإذا كنا في هذا الموسم تحديدا لسنا جيدين في اللياقة مثلا بسبب عامل نفسي هو خروجنا مبكرا من نهائيات كأس آسيا فإنني أعتقد أنه أثر على لاعبينا في الدوري إلى جانب ضعف عام في اللياقة ألاحظه في الدوري بشكل عام، أرجو أن يتجاوز اللاعبون هذا العامل لأنه خطير جدا أن يكون هناك دوري مشتعل مثل الدوري السعودي يشهد هذا الضعف في اللياقة. • اللاعب يكون وهو داخل المستطيل الأخضر ذا نفوذ وعلاقات ومجرد الخروج منه ينتهي البريق لماذا؟ تقصد نجومية فترة تواجد اللاعب تحت الأضواء والنجومية أنه يكون صاحب علاقات أكبر وتواجد وحضور على عكس فترة اعتزاله؟ إذا كنت تقصد ذلك فكل الحياة بمختلف ضروبها هكذا، وهناك كثيرون ممن ملؤوا الدنيا انتشارا وجدوا أنفسهم وحيدين في يوم ما مثل البرتغالي ازيبو الذي كان مكان الحدث وكان اسمه يلعلع في الكرة الأرضية في الستينات بينما اليوم تجده إنسانا بسيطا قد لا يهتم به كثيرون. • مواصفات المدافع الذي يحرز الأهداف ما هي؟ مواصفات المدافع الهداف عديدة ومن أهمها أن يكون يقظا طوال التسعين دقيقة وأن يكون الارتقاء لديه بشكل أكثر من جيد يحاول فيه سبق المدافع الخصم وأن لا تكون طلعاته متعددة ومع كل هجمة كما يفعل بعض الزملاء حيث يختار الهجمات التي يعتقد أنه سيجني منها تحقيق الهدف حسب الشكل العام للهجمة في الملعب، لأن خروجه في كل هجمة قد يؤثر على خانته وخسارته وفريقه، ومن ناحية أخرى تضعف مجهوده في المباراة فيقصر في مهمته الأساسية.. الدفاع ثم الرقابة اللصيقة للمهاجمين بشكل عام والمهاجم الخطر بشكل خاص.. والتغطية الصحيحة في الملعب.. وينبغي أن يكون يقظا فكريا ولياقيا. • اليوم من هو المدافع الذي يحمل كل هذه الصفات؟ ملاعبنا مليئة بهم ولكن هناك أسامة المولد الذي تتوافر فيه كل هذه المواصفات إلا أنه كثير الطلعات مع كل هجمة، إنه يحتاج إلى أن يكون حذرا ويحتفظ بمجهوده للهجمات الأخطر التي من الممكن أن يحرز فيها هدفا فهو لاعب يقظ وتكوينه الجسماني ممتاز وفكره الكروي عالي الوعي. • اللاعبون العالميون ذوو ثقافة عالية كيف مستوى الثقافة لدى لاعبينا ؟ حتى لاعبونا اليوم مستواهم الثقافي جيد، وممتاز أحيانا، ولكن لاعبينا تغيب عنهم بعض الامتيازات فالمدربون في الغرب يجلسون مع الفريق ونجومه بعد المكسب أو الخسارة نحو ساعتين لدراسة ما تم في الملعب من سلبي وإيجابي ويصححون مواقفهم للاستفادة مستقبلا بينما يوجد لاعبون لا تتوفر أمامهم هذه الميزة فتجده على نحو مباشر في تعامل مع الموبايل والاتصالات هنا وهناك فور خروجه من الملعب. • أهداف عالقة في ذهنك وتتمنى عدم نسيانها؟ الأهداف كثيرة ولكن هناك أهدافا بالفعل لا تفارق الخاطر ولا الذاكرة مثل هدفي الذي أعتبره الأثمن في كوريا الجنوبية في تصفيات كأس العالم 1994م ، كذلك هدفي في منتخب ماليزيا في الرياض في المباراة التي فزنا بها 3-1. • عصر الاحتراف ألا ترى أنه انتزع الولاء من قلوب اللاعبين؟ لا.. لا أعتقد ذلك إلا أن المال والإغداق به عليهم يجعلهم غير مركزين بشكل أكبر، وهنا ليس للولاء علاقة في الموضوع فاللاعب مهما كان لديه ولاء للشعار الذي يلعب به والاحتراف بشكل عام لصالح الرياضة والرياضيين في كرة القدم تحديدا إلا أنه يحتاج مجهودات أكثر وعدم تفكير بالمال في كل لحظة وفي الملعب على وجه الخصوص. • ألا ترى أن قمة الوسطى غطت على قمة الغربية؟ لا.. فالقمة في كل مكان في الدنيا هي قمة بحد ذاتها تتشابه وتختلف مع غيرها بحكم اتجاه الجماهير للملعب. وهنا دعني أنبه أن الجماهير بالفعل أصبحت بغير ذلك الحماس في الأمس لأسباب كثيرة منها توفر خيارات عديدة يستطيع الاستفادة منها وهو في منزله إلى جانب متابعته لمباراة القمة «الديربي» لفريقه كأن ينتهي من مباراته وهو أمام الشاشة لينتقل إلى مباراة مهمة في أسبانيا إلى أخرى أكثر أهمية في إيطاليا وهكذا. • خمس رسائل لمن توجهها؟ * للاتحاد .. أتمنى أن يركز لاعبوه في المباريات المتبقية من الدوري لأن الأمل لازال موجودا. * لوالدتي شافاها الله: فهي المحفز لي دائما والحمد لله أنني أزورها بشكل دائم رغم أنها تسكن جنوبجدة وأنا أسكن شمالها بعد أن كنا نسكن سويا في مكان واحد. * لسالم مروان: أدعو له بالشفاء العاجل إن شاء الله وهو صديق عزيز أتمنى له السلامة. * للصديق محمد خطابي في المغرب فهو من الأصدقاء الأعزاء على قلبي، أقول له ربما التقينا قريبا في جدة أو غيرها. * وأوجهها لشريكتي في حياتي وأم أبنائي في أن ييسر لها الله تربية هؤلاء الأبناء ورعاية البيت والأسرة. أحمد جميل • ولد عام 1388ه (1968) في جدة وتلقى تعليمه الأولي فيها.. بدأ مشواره الرياضي بفريق أشبال نادي الاتحاد ثم صعد إلى فريق الشباب ومنه إلى الفريق الأول عام 1405ه (1985) وحقق معه عددا من البطولات أبرزها ثلاثية موسم 17/1418ه حيث فاز الفريق ببطولات كأس الاتحاد، كأس ولي العهد وكأس دوري خادم الحرمين الشريفين. شارك مع المنتخب في العديد من البطولات خليجيا، عربيا وقاريا ودوليا، وحقق عددا من البطولات أبرزها: بطولة كأس الأمم الآسيوية عام 1988 بالدوحة 1996 في الإمارات، وبطولة كأس الخليج الثانية عشرة في الإمارات 1994، ووصافة الدورة العربية السابعة في دمشق، كما شارك في نهائيات كأس العالم في أمريكا 1994 وفرنسا 1998 وبطولة القارات التي استضافتها الرياض. لعب نحو 135 مباراة دولية وأطلق عليه عدد من الألقاب أشهرها: السد العالي، العملاق.. ويتمتع بنزعة هجومية أثمرت تسجيل عدد من الأهداف الحاسمة. • أعلن اعتزاله في نهاية الموسم الرياضي 1422ه بعد أن أمضى في صفوف العميد 20 عاما وأسهم معه في إحزاز «15» بطولة.. • مميزاته: يحسن التغطية للكرات العرضية العالية حيث يجيد الارتقاء ويتمتع بنزعة هجومية وخاصة أثناء الضربات الحرة أو الركنية وتمكن من تسجيل عدد من الأهداف الحاسمة برأسه فضلا عن خبرته في قيادة وتوجيه زملائه. • إنجازاته: من ألمع نجوم جيل كأس العالم.