اصطدمت مسيرة المعارضة الجزائرية من أجل تغيير النظام السياسي السبت بإجراءات أمنية مشددة، ولكن على خلفية التوق الإقليمي إلى الديموقراطية الذي أطاح بنظامين اعتبرا راسخين من قبل في تونس ومصر، ويهدد غيرهما. ومن مصادفات التاريخ أن التظاهرة التي أعلن عنها في 21 يناير (كانون الثاني) في غمرة إطلاق حركة معارضة واسعة أطلق عليها اسم التنسيقية الوطنية للديموقراطية والتغيير جرت غداة تنحي الرئيس المصري حسني مبارك بعد حكم استمر نحو 30 عاما. ورغم أن التظاهرة في العاصمة الجزائرية والتي كانت الأكبر في البلاد، لم تجمع أكثر من بضع مئات من المتظاهرين إلا أنها ارتدت طابعا تاريخيا، بحسب الإعلام. وعنونت صحيفة «ليبيرتي» الليبرالية «الانطلاق إلى التغيير». أما صحيفة «المجاهد» الحكومية فخصصت صفحتها الأولى للحدث على غير عادة لكنها وصفته بأنه «تظاهرة محدودة الأصداء». وتعذر تنفيذ المسيرة المقررة على طول أربعة كلم في وسط المدينة على غرار تظاهرة أولى أعلنها التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية في العاصمة في 22 يناير (كانون الثاني) بسبب حظر يعود إلى العام 2001. واصطدم المحتجون بنحو 30 ألف شرطي انتشروا في العاصمة لهذا الغرض. ونددت النقابة الوطنية للصحافيين الجزائريين «بقمع» الصحافيين الذين غطوا تظاهرات المعارضة. ودانت النقابة التي أنشئت عام 1999 «بشدة قمع الصحافيين والمصورين الذين غطوا تظاهرات المعارضة السبت في الجزائر العاصمة وغيرها من مدن البلاد». لكن «الأمر ليس إلا بداية»، على ما أكد فضيل بومالة أحد مؤسسي التنسيقية التي ولدت في خضم أجواء المعارضة ضد بوتفليقة الذي أصبح مثل لويس الرابع عشر الذي قال: أنا الدولة، والدولة أنا. فمنذ أشهر، والبلاد الغنية بالمحروقات والتي يقدر احتياطيها المصرفي رسميا ب 155 مليار دولار تشهد تظاهرات صغيرة وأعمال شغب. فالتلاميذ يرفضون منهجا دراسيا مثقلا، فيما يحتج الجامعيون على تعليم لا يواكب التطور التكنولوجي وتشكو آلاف العائلات من ظروف سكنها السيئة، كما يطالب الشبان بالعمل لأن أكثر من 20 في المائة منهم يعانون البطالة سواء كانوا من حملة الشهادات أو لا، فيما يطالب الموظفون بزيادة في الرواتب لمواجهة ارتفاع الأسعار الحاد. وفي هذا الإطار، تلقت الشرطة التي تضم نحو 160 ألف رجل وامرأة زيادة في الراتب بنسبة 50 في المائة في مطلع فبراير (شباط) مع مفعول رجعي حتى الأول من يناير (كانون الثاني) 2008. وتم إعلان هذا الإجراء في أواخر ديسمبر (كانون الأول) قبل أيام على أعمال العنف التي أسفرت في يناير (كانون الثاني) عن مقتل خمسة وإصابة أكثر من 800 شخص، وعن أضرار مادية كبرى وتوقيف المئات. وتوقفت أعمال الشغب التي استمرت خمسة أيام مع إعلان الحكومة اتخاذ إجراءات للحد من ارتفاع الأسعار الحاد في المواد الأولية. وفي 3 فبراير (شباط) وقبل ثمانية أيام من تظاهرات السبت التي كان أحد شعاراتها رفع حال الطوارئ المفروضة في البلاد منذ 19 عاما، صدر بيان لمجلس الوزراء أعلن التخلي قريبا عن حال الطوارئ وسلسلة إجراءات من أجل مزيد من الليبرالية اتخذها الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة. وللمرة الأولى علق بوتفليقة على أعمال الشغب متحدثا عن «تجاوزات مؤسفة»، وموجها تحية إلى الضحايا. ولم تحدد الخطوة التالية بعد لكنها تندرج في إطار أجواء مناهضة للأنظمة السابقة بعد الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي في تونس في 14 يناير (كانون الثاني) بعد حكم دام 23 عاما، ثم تنحي مبارك. ويشدد المحتجون في الجزائر على «تغيير النظام» أكثر من تنحي الرئيس بوتفليقة الحاكم منذ 12 عاما. وتخضع الجزائر منذ استقلالها عام 1962 لنظام يلقى دعما كبيرا من الجيش رغم محاولات خجولة لإحلال الديموقراطية. ويبقى الجزائريون خائفين من تكرار أعمال العنف التي استمرت عشرة أعوام وأسفرت عن مقتل أكثر من 150 ألف شخص. لكن الرئيس الفخري للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان عبد النور علي يحيى اعتبر أن الجزائريين يتكيفون تدريجيا مع نشاطات الاحتجاج السلمي.