قرأت الخبر الذي نشرته صحيفة «الجزيرة» الخميس 30 صفر 1432ه عن لقاء سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز وفقه الله بوفد رابطة خريجي ثانوية اليمامة الذي يرأسه الأستاذ عبدالرحمن السدحان وعضوية مجموعة كريمة من خريجي تلك الثانوية العريقة. عادت بي الذكريات سنين طويلة، تذكرت كيف دخلت هذه المدرسة واحداً من طلابها سنة 1384ه، حيث كانت آنذاك وكأنها جامعة الملك سعود اليوم؛ شامخة وسط الرياض بمبناها العريق الفخم بمقاييس تلك السنوات وكان مديرها آنذاك الدكتور حمد السلوم رحمه الله وكان مديراً مهيباً يخشاه الطلاب، لكنه في الوقت نفسه كان لطيفاً في تعامله. التقيت الدكتور حمد رحمه الله في واشنطن عندما كان ملحقاً ثقافياً، وتذاكرنا مدرستنا وأحوالها وبعض خريجيها، وكان ذلك اللقاء جميلا، ثم رأيته بعد ذلك في الرياض أكثر من مرة حتى توفاه الله. ثم جاء الأستاذ «أبو سليم» وكان شخصية مغايرة تماماً للدكتور حمد، وأظنه لم يستمر طويلا حيث نقل لمدرسة أخرى، وتعاقب على إدارتها مديرون مميزون عرفت منهم مؤخراً الأستاذ عبدالرحمن العجاجي الذي كان يوصف بأنه شخصية مرعبة، لكنه في واقع الحال يملك شخصية في غاية الطيبة واللطف، ويبدو أن طبيعة العمل كانت تفرض عليه التظاهر بالقسوة!! مكثت في اليمامة ثلاث سنوات، وكنا آنذاك كأننا نتعلم في جامعة مميزة قياساً على ما أراه اليوم؛ ففي الأقسام العلمية تخصصات متنوعة، ومثلها الأدبية، وكان التنافس كبيراً بين الطلاب، كما كان معظم الأساتذة على مستوى عال من القدرة العلمية. كثير من الطلاب آنذاك كانوا سياسيين بامتياز؛ فالأوضاع العربية كانت شديدة السخونة، فجمال عبدالناصر كان شخصية ذات تأثير كبير على الشارع العربي، كما أن الفكر الشيوعي والبعثي والإخواني كان يجد له صدى بين الشباب اليمامي، وربما من هم أكبر منهم سناً. أعداد كبيرة من الطلاب كانت تنتمي لبعض هذه التيارات، والغريب أن كل واحد كان يعلن عن انتماءاته الفكرية بصراحة، ويدافع عن هذه الانتماءات داخل المدرسة وخارجها، وكان النقاش حاداً بين الطلاب، وأحيانا بعض الطلاب ومدرسيهم، كما كان الطلاب حسب انتماءاتهم يتبادلون الكتب التي تعبر عن أفكارهم. كنا نحب يمامتنا كثيراً فنخرج منها ظهراً لنعود إليها عصراً نلعب كرة القدم أحياناً وتنس الطاولة أحيانا أخرى أو لكتابة الصحف الحائطية التي كان يعبر بعضها عن انتماءات أصحابها الفكرية. سمو الأمير سلمان استقبل مجموعة من خريجي هذه المدرسة، وهو يعرف دون شك حجم هذه المدرسة وأهمية عدم نسيان تاريخها باعتبارها أقدم ثانوية في المنطقة الوسطى، فقد تدارس مع اللجنة التحضيرية لجمعية خريجي الثانوية عمل معلم تذكاري لخريجي اليمامة في مكان مبناها السابق يطلق عليه مسمى «حديقة اليمامة» ويكتب عليه أسماء جميع الخريجين منها. وأعتقد أن هذا الاقتراح جدير بأن يتم البدء بعمله تقديراً لذكرى تلك المدرسة العريقة ودورها التاريخي الذي قام به خريجوها في المجتمع السعودي. وزارة التربية والتعليم أصدرت لائحة بتشكيل جمعية لخريجي كل ثانوية، وهذا عمل جميل يشجع كل خريجي مدرسة ثانوية أن يتعرف بعضهم على بعض، ويتذكروا تاريخ ثانويتهم لعلهم يكتبونه ليكون مرجعاً للوزارة وللوطن بشكل عام. هذا المقترح يصلح أيضا أن تفعله كل جامعاتنا فتشجع خريجيها على الالتقاء، ولو مرة كل سنة في مقر الجامعة التي تخرجوا منها، يتعرفون على بعضهم، كما يتعرفون على مجموعة من طلبة الجامعة ويتذاكرون معهم المتغيرات ونوعيتها، ويستفيد بعضهم من بعض، وهكذا. شكراً لسمو الأمير سلمان على هذه اللفتة الجميلة، وشكراً للأخ الأستاذ عبدالرحمن السدحان الأمين العام لمجلس الوزراء على جمعه لأولئك النفر الكرام على فكرة رائعة ومفيدة. كثيرة هي الذكريات عن مدرستي «اليمامة» وشكراً لمن أعادني إليها فقد غصت في أعماقها طويلا أتذكر فصولها وطلابها وأساتذتها وأحداثها. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 213 مسافة ثم الرسالة