طالب اختصاصيون بمساءلة الجهات المعطلة للأحكام القضائية القطعية، لافتين إلى أن ذلك يسهم في تحريك تلك الجهات نحو رد الحقوق لأصحابها. ودعوا في الوقت ذاته إلى التواصل مع مجلس الشورى في هذا الشأن، وصولا إلى حث تلك الجهات ومطالبتها بتنفيذ الأحكام الصادرة بحقها. واقترح البعض مراجعة نظام ديوان المظالم الجديد، مشيرين إلى ضرورة تلافي ما أسموه بالتداخل في الاختصاصات وتفريغ المحاكم الإدارية من النظر في الدعاوى الداخلة في صلب اختصاصات القضاء العام «الجزائي، التجاري، والأحوال الشخصية». وفي ذات الصدد، أوضح عدد ممن صدرت لهم أحكام قطعية من ديوان المظالم ضد جهات حكومية، أن الحكم لم ينفذ منذ خمس سنوات دون أي مبرر، وأفاد أحدهم بأن تلك الجهة لم تنفذ الحكم الصادر ضدها في 1428ه. أما صاحب إحدى الشركات فبين أن الجهة التي صدر الحكم له عليها لم تتجاوب معه، موضحا أنها «حاولت الالتفاف على الحكم الصادر ضدها ولم تنفذه وبعد ثلاث سنوات من الانتظار الممل رفعت القضية مجددا ليصدر فيها العام الماضي حكما نهائيا جديدا يقضي بتمكيننا من العودة للعمل إلا أنه لم ينفذ أيضا». وأضاف «الأسوأ أن الجهة لم ترد على أي خطاب في هذا الشأن وأبلغت بعض الصحف بعدم إثارة هذا الموضوع، ليصدر بعدها حكم ثالث ضدها يقضي بالتعويض المالي لكن دون جدوى». ويطالب صاحب الشركة هيئة الرقابة والتحقيق بمتابعة الجهات التي تعطل الأحكام القضائية والتعامل مع الأحكام كقرار إلزامي لتلك واتخاذ إجراءات إدارية صارمة تكفل تنفيذها. أما صاحب القضية الأخرى الصادر حكمها ضد جهة حكومية فأوضح أن الحكم صدر في 15/8/1429ه، وذكر للصحيفة أن شركته ما زالت موقفة عن العمل على الرغم من صدور قرار نافذ يكفل استئناف عملها اعتبارا من منتصف عام 1430ه إلا أن الحكم ما زال معطلا. وفي نماذج لأحكام صادرة ضد جهات أخرى، تأتي قضية إحدى الشركات مع جهة حكومية والتي صدر ضدها حكم نهائي من ديوان المظالم بالتعويض بمبلغ 1866427 ريالا بسبب فسخها للعقد مع الشركة دون عذر شرعي. ويقول وكيل الشركة «بعد مداولات خمس سنوات في ديوان المظالم، وبعد أن أصبح الحكم نهائيا، ذهبت إلى تلك الجهة، وأفادني المسؤولون بأنهم ليسوا مقتنعين بالحكم»، مشيرا إلى أنه ظل يتردد على الجهة لأكثر من عام وثلاثة أشهر دون أي تحرك يعيد حقه. وهنا يرى المحامي والمستشار محمد بن سعود الجذلاني أن الديوان ليس مسؤولا عن مراقبة تنفيذ الجهات الحكومية لأحكامه، مستغربا تحميل البعض الديوان مسؤولية متابعة تنفيذ الجهات لأحكامه. وبين الجذلاني أن مسؤولية الديوان تنحصر في إصدار الحكم أو الإلزام بالتعويض، مشيرا إلى أن وجود جهة تنفيذ تحت مظلة الديوان ليس مناسبا. ولاحظ أن المفترض كتابة تقارير من قبل الجهات الرقابية والرفع بها للمقام السامي، وتفعيل نظام محاكمة ومحاسبة الوزراء الذي نص في إحدى مواده على أن تعطيل تنفيذ الأحكام القضائية مخالفة صريحة. ودعا الجذلاني إلى إدراج تنفيذ الوزارات للأحكام القضائية الصادرة ضدها ضمن النقاط التي يتم بها تقييم تلك الأجهزة، مشددا في الوقت نفسه على ضرورة أن يكون لمجلس الشورى دورا في إحراج الجهات المعطلة للأحكام القضائية، مستغربا من أن أكثر الجهات التي لاتنفذ الأحكام القضائية ضدها تحمل صبغة دينية. مجلس الشورى لكن نائب رئيس لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية في مجلس الشورى الدكتور عبد الله بن برجس الدوسري، يوضح أن المجلس لايتحرك على قضايا فردية وإنما على آليات وأسس معينة. ودعا الدوسري المتضررين من تعطيل الأحكام الصادرة لهم برفع عرائض للمجلس للنظر فيها تمهيدا لاستدعاء الجهة المسؤولة ومناقشتها في ذلك، رافضا أن يجعل البعض من هذه القضية تنفيسا له ومجالا للظهور. وأكد أن المجلس لن يتأخر في دعوة الجهات المخالفة ومناقشتها، شريطة أن تكون المسألة ظاهرة وليست فردية، مشيرا إلى أن المجلس مهتم بمثل هذه القضايا ولن يتوانى عن الرفع بتوصيات حيالها للمقام السامي. ورأى الدوسري، أن واجب الجهات تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها، مشيرا إلى أن النظام يكفل لأصحاب الحقوق حقوقهم، مشددا على ضرورة المبادرة في إبلاغ المجلس بهذه القضايا. إمارة الرياض وبالعودة إلى توضيح سابق لإمارة منطقة الرياض لموقفها تجاه تعطيل جهات حكومية تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها، نجد أن الإمارة أكدت أحقية مطالبة المتضرر بالتعويض عن الأضرار اللاحقة بها جراء عدم سرعة تنفيذ الحكم فضلا عن التقدم بدعوى ضد المسؤول أو الموظف الحكومي الممتنع عن التنفيذ. ويوضح الجذلاني وهو أيضا قاض سابق في ديوان المظالم، أن بيان إمارة منطقة الرياض، أكد إدراكها التام لمشكلة أصبحت مصدر إزعاج وقلق لدى المواطنين والمهتمين بالشأن الحقوقي، المتمثلة في امتناع جهات حكومية ووزارات عن تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية الصادرة ضدها. ولاحظ أن البيان أوضح أن إمارات المناطق ليست مختصة بتنفيذ الأحكام القضائية الإدارية الصادرة ضد الجهات الحكومية؛ لأنها لا تملك آليات تتيح لها التنفيذ الجبري على الجهات الحكومية في حال امتناعها. قسم للتنفيذ وأثناء هذه المداولات يرى القاضي في ديوان المظالم سابقا أحمد الشمراني، أن الأمر بات ضروريا لإنشاء قسم يتولى متابعة تنفيذ الأحكام في ديوان المظالم أسوة بمحاكم وزارة العدل. ورأى أن جهات حكومية تستمرئ تعطيل أصحاب الحقوق سواء بالمماطلة في حضور جلسات التقاضي أو تعطيل تنفيذ الأحكام القطعية الصادرة بحقها، مشددا على ضرورة اتخاذ الإجراءات الصارمة ضد الجهات المتأخرة تداخل الاختصاصات ويعود الجذلاني للقول إن «مراجعة نظام ديوان المظالم الجديد بات ضرورة، موضحا أن «المطلوب إصلاح ما تضمنه النظام من خلل يتمثل في تداخل الاختصاصات، ما أتاح نظر المحاكم الإدارية في دعاوى من صلب اختصاصات القضاء العام «الجزائي، التجاري، والأحوال الشخصية». واعتبر المحامي الجذلاني نظر القاضي الإداري في تلك القضايا خطأ جسيم يستدعي المراجعة والتصحيح. واستشهد الجذلاني ببيان إمارة الرياض في تأكيده على أن استمرار تحدي بعض المسؤولين للأحكام القضائية الصادرة بحق وزاراتهم أو إداراتهم يعد مسلكا خطيرا وخللا في العدالة، يستوجب الوقوف أمامه بحزم، وذلك عبر تجريم مثل هذه الأفعال وإدراجها ضمن الجرائم والمخالفات المستوجبة للمساءلة والعقوبة والتأديب، سواء مساءلة جنائية أو تأديبية مسلكية. وطالب بإيجاد آليات دقيقة وفاعلة تكفل تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية، موضحا أن البيان حين أكد على مسؤولية هيئة الرقابة والتحقيق عن متابعة وكشف مثل هذه المخالفات الإدارية التي تقع في صميم اختصاصاتها، وأنه يجب أن يكون للهيئة دور فاعل في وقف مثل هذه التجاوزات والتحقيق فيها والادعاء على مرتكبها بطلب معاقبته؛ لأن وقوف أي موظف في وجه تنفيذ حكم قضائي يعتبر مخالفة مسلكية وجريمة من الجرائم الإدارية. وأشار إلى أن لهيئة الرقابة دورا ظاهرا في الإصلاح الإداري والرقابة على حسن تطبيق الأنظمة، مطالبا بدعمها بشكل أكبر لتمكينها من أداء دورها على أكمل وجه، خصوصا عند تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية تنفيذ الأحكام المحامي حسان السيف يرى أن كثيرا من مشكلات تنفيذ الأحكام القضائية جاءت بعد تعيين قضاة التنفيذ في المحاكم العامة، وتخويلهم صلاحيات واسعة لإجبار المحكوم عليهم على تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدهم، مستدركا «لكن سلطة قضاة التنفيذ لا تمتد إلى تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الجهات الحكومية، ما يشير إلى أن المنظم افترض عدم امتناع الجهات الحكومية عن تنفيذ الأحكام». ولاحظ السيف وجود غياب للمواد القانونية التي تضع آلية محددة لتنفيذ الأحكام الإدارية، مقترحا أن يتم تعيين قضاة تنفيذ يختصون بمتابعة تنفيذ الأحكام الإدارية تحت مظلة ديوان المظالم، أو أن تخويل قضاة التنفيذ في القضاء العام هذا الاختصاص. وأضاف «لا بد من سن آلية نظامية توضح الإجراءات التي يتخذها المحكوم له عند امتناع الجهة الحكومية عن تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها، خصوصا أن نظام تنفيذ الأحكام القضائية يُدرس في الوقت الراهن أمام مجلس الشورى، مقترحا إضافة مواد تتعلق بآلية تنفيذ الأحكام الإدارية ضمن ذلك النظام الذي طال انتظاره». وشدد المحامي السيف على ضرورة أن تندرج عقوبة تعطيل تنفيذ الأحكام ضمن الإجراءات الوقائية التي ستكون سببا في حماية أموال الدولة، من تلاعب بعض الموظفين الذين لا تتم محاسبتهم عن تلك التصرفات اللا مسؤولة. وأشار إلى أن تفاقم ظاهرة تعطيل تنفيذ الأحكام يؤدي إلى تردد رجال الأعمال والشركات التجارية في الدخول في المناقصات الحكومية، لخوفهم من تنصل تلك الجهات عن أداء التزاماتها، وتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحقها، ما يؤدي إلى تعطل المشروعات التنموية للدولة، والتأثير على نمو الاقتصاد الوطني.