المسرح في الغرب حيث أوروبا وأمريكا شيء آخر وحالة أخرى تعلمك أول ما تعلمك ثقافة الحضور الجماعي، التي أهم ما فيها فهم طبيعة الحرية التي يمكنك التمتع بها، حيث الحرية تعني المسؤولية فعلا، وحيث المسؤولية تعني النظام والالتزام بقوانينه، فليس هناك عرض مسرحي يمكنه التأخر عن رفع ستارته في موعدها من أجل خاطر عيونك، فإن حضرت متأخرا وجب عليك الانتظار قليلا أو كثيرا، إلى حين انتهاء الفرقة المسرحية من مشهدها؛ ليمكنك المرور إلى حيث مقعدك المحدد الذي ستجده خاليا، حيث إن نظرية «من سبق لبق» لا وجود لها هناك، خاصة فيما يتعلق بمسألة الكراسي!، بعدها سوف تبهرك العروض، خاصة إن كنت مثلي، من محدثي نعمة التجوال، في العوالم المتحضرة، لقد شاهدت في كل من باريس، لندن، نيويورك، ولاس فيغاس، عروضا مسرحية بعضها كلاسيكي، وبعضها الآخر حديث جدا، وفي جميعها بدءا من «البؤساء» و «تاجر البندقية» وانتهاء ب «o» و«at the threshold of the dream»، كانت التكنولوجيا حاضرة بكامل قدرتها على الإبهار، وكان لكل من الإضاءة والموسيقى والإكسسوارات والديكورات، حضورا مذهلا شديد الفتنة؛ لكن أكثر ما أبهرني في كل هذه الأعمال، تمثل في اهتمامهم المسرحي، بالنمنمات الصغيرة، فلا وجود لكومبارس، أبله، يركض، أو يقف، دون دور متقن، يسهم في جمالية الشكل الكلي، وإثرائه بما يلزم، يمكن لخشبة المسرح أن تضم في لحظة واحدة أكثر من خمسين جسدا، وفي حين أن الإضاءة تركز على ثلاث أو أربع شخصيات تتابع في الإظلام الشفيف والإظلام الجاف حتى حركة بقية الشخصيات كل منها يؤدي دوره بتناغم عجيب ومذهل وبفهم تام لأهمية حركته الصغيرة في آخر المسرح أو في أبعد نقطة ممكنة من عمقه، سألني صاحبي بعد أحد هذه العروض: متى يمكن لنا أن نكون مثل هؤلاء؟، متى يمكن لنا تقديم عروضا مسرحية كهذه؟، وقبل أن أجيب أجاب هو: نحتاج إلى تكنولوجيا، وتقنيات مسرحية هائلة التكليف، قلت: ربما، لكننا بالتأكيد نحتاج أول ما نحتاج، إلى الإيمان بأهمية دور كل منا في الحياة، وتذكرت يوسف وهبي: ما الدنيا إلا مسرح كبير!.