بعيدا حيث تبرق نجمة التراث وتتنفس الأشياء عبق الماضي وترسم زوايا وخطوطا منطفئة لذاكرة الزمن الجميل، ويتجلى ذلك في شاب حمل على عاتقه التراث الذي أبحر به بين القرى باحثا عن جماليات الماضي وتفاصيله الدقيقة. تحمل جعبة خالد أحمد دقدقي عبقا يفوح بشذى الماضي الجميل، ورسالة تحمل بين أسطرها نقوشا لتعريف الأجيال بتراث الأمس في كافة صوره ومكنوناته من أضواء الفوانيس إلى حيطان الطين والقش والعشة مقدما أنموذجا رائعا لشاب أوغل في محبة كل ما هو قديم مخالفا ما تعرف عليه فليس غريبا أن نجد كبار السن يهتمون بالتراث في محاولة منهم للتشبث بليالي الماضي وعبقه، ولكن أن تجد شابا يافعا يدفع الغالي والنفيس من أجل إعادة التاريخ فتلك هي المفارقة.. يروي خالد قصة عشقه التي بدأت حين كان ينصت في شغف إلى حكايات من والده وجده عن الأدوات التي كانت تستخدم في الأمس وتلك الآلات التي لم يشوهها صخب (المواتير) ولا أضواء الفضائيات فعشقها سماعيا وعايشها واقعا من خلال قريته التراثية التي أنشأها بمجهوده الشخصي. يذكر دقدقي أنه منذ الصغر يعشق تفاصيل الحياة القديمة الأمر الذي حفزه لإنشاء القرية التراثية فجمع القطع التراثية من هنا وهناك ولم يكتف بما هو موجود بين قرى منطقة جازان، إلا أنه يحرص على التواجد في كل الأسواق الشعبية في المملكة بحثا عن التراث. ويضيف خالد «كثيرون من أبناء جازان الذين يريدون التعرف على تراث الأمس ويقصدون قريتي التراثية خاصة الأطفال والشباب والذين تغيب عنهم معرفة هذه الأشياء التي لم يعاصروها والتي كانت تستخدم في الماضي، أما على الصعيد الرسمي فقد استقبلت وفدا إعلاميا من إمارة منطقة جازان ووفدا من كلية طب جازان برفقة عميد كلية الطب في جامعة شيكاغو الدكتور ديفيد والذي أبدى سعادة غامرة بما شاهده وأعجب بالبئر و «الميفا» التنور الطيني. وتابع الدقدقي «لأبي وجدي فضل كبير علي في التعرف على الأدوات والقطع التراثية وطرق استخداماتها ناهيك عن تحفيزهم لي وتشجيعي». وأشار خالد إلى أن رواد قريته يحلمون باسترجاع ليالي (الفانوس) وعبق الطين «حالة خاصة من الحنين وهذا ما جعلني أنشئ هذه القرية التراثية التي تضم بين جنباتها البيت الأشهر في منطقة جازان والذي يعرف ب (العشة) ذلك المسكن الذي سجله التاريخ وعشقته جغرافية الأماكن وقد بناها لي أحد كبار السن». وعن خططه المستقبلية يقول «حتى الآن لم أتمكن من تحقيق حلمي وتطلعاتي الكبيرة بإنشاء قرية تراثية متكاملة ومن ضمن الخطط التطويرية للقرية فإنني أسعى لإنشاء موقع ترفيهي شعبي يحتوي على الألعاب القديمة إضافة إلى وضع لوحات تعريفية ببعض الألعاب الشعبية القديمة».