وتيرة الأحداث في مصر لم تزل متسارعة، وتفاصيلها اليومية لم تزل تفاجئ المراقبين، وبعد تجاوز الأيام العشرة الأولى تغير الكثير في داخل مصر وإقليمها وفي العالم أجمع، وتفرقت المواقف كشعل متباينة من موقد الغليان في مصر. خرج الشارع المصري بمطالب مستحقة وجديرة بالتنفيذ، بل إن الخطأ من الأساس هو عدم مراعاتها من قبل وتنفيذها في أوقات الراحة السابقة بدلا من تنفيذها تحت مطرقة الأحداث المتوالية التي فرضت نفسها على المشهد، حين خرج الشباب وجيل الفيس بوك للشارع كانت مطالبه محدودة في البطالة وما شاكلها، ولكن هذه المطالب كما جرى في تونس لم تزل تتصاعد، ولكن موجة مصر دخل فيها الإخوان المسلمون وغيرهم صراحة، وأخذوا يعبرون عن أجندتهم الخاصة ويحملونها للشارع، حتى وصل الأمر لطريق شبه مسدود. طالب المتظاهرون بكثير من المطالب وكان سقفهم في ارتفاع، واستجابت الحكومة لغالبية المطالب وقدمت تنازلات، وراق للبعض أن يرى أن المشهد المصري هو المشهد التونسي في كلاكيت ثاني مرة، ولكن مصر ليست تونس، لا من حيث الظروف والمعطيات وطبيعة الدولة، ولا من حيث المكانة، ولا من حيث التأثير، ومن هنا كانت استجابة الدولة للمطالب المستحقة في مصر مختلفة عن تونس. ويبدو في هذه اللحظة أن الدولة المصرية تماسكت، وازدادت قوة باستجابتها العقلانية والمتدرجة لمطالب الجماهير، ولكن وعي الدولة يختلف عن وعي الجماهير، وطريقة عمل الدولة وتنفيذ المطالب على الأرض يحتاج وقتا أطول من طريقة التعبير عنها في ميدان التحرير والهتاف بها هناك. ثمة مشكلة حقيقية في المشهد المصري اليوم وهي أننا نعرف من يمثل الدولة هناك، ولكننا لا نعرف من يمثل الشارع، ولا من يمثل الشباب، وهم قادة الحراك ووقود المظاهرات ورواد التغيير، الأحزاب المصرية القديمة كالوفد والتجمع ونحوها لا تمثلهم بل إنني لا أستبعد أن كثيرا منهم لا يعرفها ولم يسمع بها في حياته، نظرا لغيابها أو تغييبها الطويل عن الساحة السياسية، وقل مثل هذا في جماعة الإخوان المسلمين، فكثير من هؤلاء الشباب لا ينتمون لهذه الجماعة وربما أن كثيرا منهم لا يحبونها كذلك، وفيهم من يخاف أن تقفز للسلطة على أكتافهم، فهي بهذا لا تمثل الشارع ولا الشباب، ولكنها دونا عن الأحزاب الأخرى لديها القدرة على تحريك جماعات منظمة لتنفيذ عمليات على الأرض تخدم مصالحها حتى لو كان في ذلك شيء من التخريب لضمان استمرار الفوضى التي منحتهم مساحة واسعة من العمل، وهم دون شك مدربون تدريبا عاليا على العمل المنظم في ظل ظروف كهذه. وعلى العموم فالمشهد السابق يتعلق بالداخل المصري، وأهل مصر أقدر على حل مشاكلهم الداخلية ممن هم خارج مصر، وأهل مصر أدرى بناسها ونيلها، بحاضرها ومستقبلها، والأمل كل الأمل أن تصل سفينة مصر لشاطئ الأمان والحرية والاستقرار، وتتجاوز مخاطر الفوضى والفراغ، أما ثالوث القمع والكبت والفساد فأحسب أن مصر قد تجاوزته، وسيكون هذا الثالوث في مستقبلها شبحا يطارد كل مسؤول حتى يتبرأ منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب. إقليميا، ثمة دول تصب الزيت على نار المظاهرات في مصر وهي إيران وتركيا، أولا: إيران التي لها كل المصلحة في اضطراب الحال في مصر لأن مصر كانت على الدوام تقف بقوة في وجه المخطط الإيراني بالمنطقة، ومن هنا خرج المرشد الأعلى علي خامنئي ليخاطب الإيرانيين في خطبة الجمعة باللغة العربية، لأن هدفه كان أن تصل رسالته للمصريين والعرب لا للإيرانيين، وأكد في أولها أن ما يجري في مصر «حادثة كبرى وعظيمة تستطيع تغيير معادلات الاستكبار في هذه المنطقة، لصالح الإسلام» وتفسير هذا الكلام سياسيا هو أنه يراهن على هذه الأحداث لتغيير المعادلات السياسية في المنطقة التي كانت تقوم على ثلاثة محاور رئيسية، المحور الإيراني بمن معه من العرب، ومحور الاعتدال العربي وعلى رأسه مصر التي يتحدث عنها، ومحور إسرائيل، وهو لا يستطيع عمل شيء لإسرائيل أكثر من الشعارات، لذا فإن حديثه عن تغيير معادلات الاستكبار يعني تحديدا استهداف دول الاعتدال العربية، أما لماذا؟ فهو قال: لصالح الإسلام، وهذا معناه سياسيا مصلحة الجمهورية الإسلامية في إيران، إلا إن كان يرى أن الإسلام هو إيران وأن الدول العربية كافرة. ثانيا: تركيا، وهي بعدما أحبطت من الرفض الأوروبي المتواصل لها، حاولت الاتجاه للمنطقة، ولعب دور أكبر فيها، ومن هنا يمكن قراءة جملة الحراك السياسي التركي المتصاعد تجاه المنطقة في السنوات الأخيرة، والذي وصل مع أحداث مصر لحد أن يوجه رجب طيب أردوغان نصائح مجانية لمصر وللرئيس مبارك مباشرة وعلى الهواء، وبالتأكيد هو يفعل هذا خدمة لبلده وحزبه الإخواني المتطور. أما في الشأن الدولي فقد اتخذت أمريكا وتبعها الغرب مواقف وهطلت بتصريحات وكأنها ليست في سباق مع إيران لإحداث تغيير دراماتيكي في مصر كما ذكر عبدالرحمن الراشد في مقاله «سباق أوباما وخامنئي على مصر» ولكن أيضا في سباق مع المتظاهرين في ميدان التحرير في رفع سقف المطالبات وفي زيادة السرعة في تنفيذها مع فارق مهم هو أن أمريكا بعكس شباب التحرير كانت لديها فرصة كبيرة لهذه المطالبات في السابق ولديها وعي أكبر بأنها لا يمكن أن تنفذ لا «الآن» ولا «فورا». في خضم هذا الأحداث الساخنة التي لها تأثيرات كبرى على الداخل المصري وعلى التوازن الإقليمي وعلى العالم أجمع، نجد المصريين في صراع داخلي بدأ يتجه شيئا فشيئا نحو حوارات مفتوحة وإصلاحات مستحقة وواسعة، ونجد الدول الإقليمية كل يرعى مصالحه ويدافع عنها حسب رؤيته ومكانه، ويبقى السؤال الجمرة هو أين العرب مما يجري؟ أين محور الاعتدال العربي؟ من سيحمي مصالح العرب السياسية إقليميا ودوليا؟ وجمرة أخرى أيضا وهي هل يجب أن تصل النار للأقدام ليلتفت القائد لمطالب شعبه ويجري الإصلاحات التي أصبحت ضرورة ولم تعد حاجة أو تجميلا؟. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 250 مسافة ثم الرسالة