ما كان لدور الصحافة السامي في معالجة قضايا المجتمع، أن يتبدى جليا واضحا أكثر مما تبدى خلال هذه الأزمة التي تمر بها جدة. فمنذ السنة الماضية وإلى اليوم، والحديث عن كارثة جدة متواصل لا انقطاع له بعد أن اتصل حبل كارثة السنة الماضية بحبل كارثة هذه السنة، فتجددت بهذا الوصل آلام، وتضاعفت معاناة، ونكئت جراح لم يكتب لها أن تلتئم بعد. ومنذ السنة الماضية وخلال هذه السنة والصحافة في حديث ساخن لم يعرف الفتور أو الانقطاع حول تلك الكوارث المؤلمة. من المسلم به، أنه ما كان للصحافة أن تغفل يوما واحدا عن متابعة ما يعيشه الناس من أحداث مفزعة، أو تنشغل عن التفكير فيها، أو التساؤل عن مسبباتها أو كيفية الخروج منها، وحين تظل الصحافة منذ السنة الماضية وإلى هذه السنة تفيض بالكتابات عن كوارث جدة، فما ذاك إلا دليل على أن الصحافة لا يمكنها أن تدير وجهها عن أحداث المجتمع أو تنسى أنها لسان الناس الذي وكلوه بالنطق نيابة عنهم. تظهر صحيفة عكاظ نموذجا مميزا يمثل ما تستطيع الصحافة أن تفعله خلال الأزمات، فقد أسهمت هذه الصحيفة وما زالت تسهم إلى جانب صحف أخريات، من خلال عدد من كتابها ومحرريها ومصوريها المميزين حقا، إسهاما رائعا تستحق عليه التقدير والثناء، وذلك حين حملت مسؤولية تسليط الضوء على جوانب الحدث المؤلمة وتعمدت إطالة أمد بقائه تحت مساقط النور، كي لا تغيب معالمه في طيات الغفلة والنسيان، كما يحدث في بعض الأحيان لكوارث أخرى، كبرت أو صغرت، وإن كان ليس في الكوارث صغير. إلا أنه ما كان لعكاظ ولا لغيرها من الصحف، أن تسهم هذا الإسهام الفعال لو لم تتوفر لها مساحة مفتوحة واسعة من الحرية تتحرك فيها بلا قيد ثقيل يقصر خطوها ويشدها إلى ركن محدود لا تتعداه. قد يبدو ذلك للبعض أمرا ممجوجا، أن يأتي كاتب ليتغنى بحرية الصحافة وفسح المجال لها لتخوض في قضية كبرى تمتد فيها أصابع الاتهام إلى بعض المسؤولين الكبار، ونحن في عصر، إن لم تفعله فيه الصحافة الورقية ذلك، فعلته نيابة عنها الصحافة الالكترونية، فشبكات الانترنت أتاحت للناس حرية كافية لنفث ما في صدورهم من غيظ وإحباطات، ومتى تعذر عليهم في الصحافة الورقية التعبير، هجروها وانصرفوا إلى غيرها.. ربما يكون هذا الكلام صحيحا، ولكن النقطة التي تهمنا هنا هي أن هناك تغيرا نحو الأفضل في مجال حرية الصحافة، وهو على أية حال، تغير يعكس الوضع العام في المجتمع ككل، بصرف النظر عن العوامل والأسباب، كما أن هذه الحرية الصحافية التي نتحدث عنها هي وإن كانت لا تزال حرية نسبية غير مطلقة، لا تقارن بحرية الصحافة الالكترونية، إلا أن ذلك التقييد قد يكون أحد عوامل السمو بالصحافة الورقية، التي تحفظها من أن تنحط إلى درك الإسفاف أو تزوير الحقائق فتتحول إلى ناقلة إشاعات أو قاموس شتائم. وفي ظني أن من أفضل ما اتسمت به الصحافة الورقية خلال أزمة جدة، أنها على كثرة ما نشر فيها من نقد وما قيل من اتهامات بالتقصير، إلا أنها لم تنشر كلمة نابية ولم تضم بين صفحاتها ما يجرح الذوق العام، فبقي الحديث محصورا في الكارثة نفسها وما يتعلق بها من تداعيات ليس إلا. ص. ب 86621 الرياض 11622 فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة