يبدو أن حكام الجزائر خلصوا لصحة ما قاله جوسيبي دي لامبادوسا في روايته «الفهد» التي ترجع للقرن التاسع عشر «كل شيء ينبغي أن يتغير كي تبقي جميع الأمور على حالها». أضحت الجزائر أحدث دولة عربية تعلن تغييرات سياسية تهدف للحفاظ على نظامها وتفادي احتجاجات مطالبة بالديموقراطية أطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي وتهدد النظام المصري. وربما تنجح هذه الآلية لأن ثروة البلاد من النفط والغاز تتيح مهلة للحفاظ على السلام الاجتماعي، بينما المعارضة متشرذمة، ولا تزال ذكريات الحرب الأهلية في التسعينيات التي راح ضحيتها 150 ألف شخص تطارد المواطنين. وبشكل مفاجئ قررت السلطات رفع حالة الطوارئ التي فرضت في عام 1992 بعد إلغاء انتخابات عامة كانت الحركة الإسلامية تتجه للفوز بها. وقاد ذلك لعقد من أعمال العنف ارتكب خلاله الجانبان أعمالا وحشية لينتهي بسحق جبهة الإنقاذ الوطني. والآن يقول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إنه سيخصص وقتا لجميع الأحزاب السياسية القانونية في أجهزة الإعلام الرسمية وسيسمح بالتظاهرات في جميع أنحاء البلاد باستثناء العاصمة الجزائر والمنطقة المحيطة بها. ويقول أشهر المؤرخين الفرنسيين لتاريخ الجزائر بنيامين ستوريا «من الواضح أنه استجابة للأحداث في تونس ومصر ومحاولة من السلطات الجزائرية تجاوز المنحنى وتفادي احتجاجات شعبية كما حدث في اليمن». وتابع «لم يراودهم حلم رفع حالة الطوارئ على أي نحو آخر». كما يبدو أن النظام ينتهج سياسة «فرق تسد» لبث الفرقة في صفوف المطالبة بالديموقراطية المكونة من أحزاب سياسية علمانية صغيرة والرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان التي كانت تميل منذ فترة للحوار مع إسلاميين. ويتحدث كثير من الجزائرين عن «القوى المهيمنة»، في إشارة لاجهزة أمنية تسيطر على الاقتصاد وعلى الجانب الآخر حكومة مشكلة من ساسة مدنيين يشاركون في مناقشات في البرلمان ويحددون ألوان إشارات المرور. وعلى مدار ثلاثة عقود منذ الثورة الاسلامية في إيران في عام 1979 ضمن حكام الجزائر ومعظم الدول العربية دعما دوليا بتصوير أنفسهم كحصن أخير في مواجهة مد إسلامي. ولم تتضح التطورات في الجزائر بسبب «لعنة الموارد» في قطاع الطاقة الذي مول شريحة وشجع على قيام اقتصاد يعتمد على الواردات وأضعف الإنتاج المحلي. وكبحت البيروقراطية قيام مشروعات ولم تترك للشبان الجزائريين مفر سوى الاختيار بين الهجرة حتى أغلقت الدول الأوروبية أبوابها أو البطالة. ولم تتواكب مشروعات بناء المساكن مع النمو السريع للسكان. وقادت الإحباطات الاجتماعية والاقتصادية التي أججت المد المتشدد لاحتجاجات محلية متكررة لم تدم طويلا في أغلب الأحوال. وربما يكون التحدي السياسي الذي تمثله الجبهة الوليدة المطالبة بالديموقراطية أكثر صعوبة في المواجهة من الاضطرابات الاقتصادية، ولكن الصحافة الخاصة التي تعبر عن رأيها ونوعا من المناقشات في البرلمان كانت بمثابة وسيلة للتعبير.