اتسعت دائرة قناعات المجتمع في الآونة الأخيرة بنظام الرصد الآلي للحركة المرورية «ساهر».. الذي يتولى الضبط الآلي لمخالفات السائقين.. وذلك بعد أن أسهم بشكل نسبي في انخفاض المخالفات المرورية مع تحفظي على بعض الإحصائيات التي تتسم بالمبالغة في تبيان حجم إسهام تطبيق النظام في خفض معدلات الحوادث والإصابات الناجمة عنها. ورغم أن القناعة بالدور الإيجابي لساهر في تحقيق الحماية المرورية ازدادت.. إلا أن هناك قناعات أكبر بضرورة معالجة بعض السلبيات والملاحظات التي تعتري تطبيق النظام.. فالنظام يظل من وضع البشر وتبعا يحتمل السلبيات والقصور.. ومن ثم يقتضي الإصلاح والتطوير. ولعل في مقدمة السلبيات غياب الأسس العلمية في وضع الحدود العليا للسرعة في الطرقات.. وهو جانب هام.. حيث تحدد المخالفة وتفرض الغرامة بناء عليه. والواقع في شوارعنا لا يعكس أساسا موضوعيا لتحديد السرعة.. مثال واحد أسوقه هنا لإثبات ذلك: الحد الأعلى للسرعة في طريق الكورنيش في جدة هو (50) كلم !! وبهذا فإنه يصبح تعجيزيا ويخرج عن دائرة المنطق.. وبالتالي قد يعتبره البعض «فخا» لإيقاع السائقين في المخالفة ومن ثم إتحافهم بالغرامة. الشيء الآخر هو أن حد السرعة يجب أن يختلف وفقا لعامل الزمن.. على سبيل المثال طريق الكورنيش في أوقات النهار يكون شبه خال من الحركة المرورية لا سيما في أيام الأسبوع.. بينما في أوقات المساء تكون هناك حركة مرورية.. كما أن حجم الحركة المرورية في أيام الأسبوع تختلف عنه في أيام إجازة الأسبوع. وبناء على حجم الحركة المرورية ينبغي أن تحدد السرعة.. وهذا ما هو معمول به في الدول المتقدمة حيث نجد أن لوحات تحديد السرعة تكون لوحات إلكترونية مضيئة تتغير وفقا لحركة السير. وهناك ملاحظات على إجراءات تعد مخالفة لنظام المرور نفسه أشار لها خبير السلامة المرورية الكبير عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالجليل السيف، وتتمثل في غياب آليات الاعتراض النظامية والقانونية التي نصت عليها المادة (75) من نظام المرور والتي نصت على حقه في الاعتراض أمام محكمة مختصة.. إلى جانب حق السائق في الاطلاع على صورة المخالفة ومعرفة نوعيتها وزمنها وموقعها.. وهناك ملاحظة ملحة حول تضاعف مبلغ الغرامة عقب مرور شهر على إصدارها.. حيث لا مبرر لهذه المضاعفة.. فضلا عن الشبهات الشرعية التي تدور حولها.. في وقت نجد فيه أن إلغاءها من شأنه أن يؤدي إلى شعور بالارتياح وسير نحو الإصلاح. ولا زالت الحاجة ماسة إلى نشر الوعي بنظام ساهر وطبيعة المخالفات.. وهذا ما يتطلبه تطبيق أي نظام جديد لا سيما الأنظمة التي تتعلق بشرائح كبيرة في المجتمع.. فلا زال الكثيرون يجهلون الكثير عن النظام وأهدافه ومضامينه ومقتضياته.. بينما تعرف المجتمع على النظام يؤدي إلى توسيع دائرة القبول المجتمعي له ويحد من محاولات التحايل عليه. إن هناك حاجة ماسة إلى تنظيم حملة إعلامية مبنية على أسس علمية لتوعية المجتمع بنظام ساهر وذلك عبر وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة.. ويمكن تمويلها من الإيرادات المالية الضخمة التي يحصدها النظام حاليا من الغرامات. أما الإعلان عن تطبيق المرحلة الثانية من النظام على مخالفات جديدة شملت: الوقوف على خطوط المشاة، تجاوز الإشارة الحمراء، الالتفاف إلى اليمين دون توقف. فإن ذلك يثير تساؤلات حول الأسس التي تبنى عليها الأولويات وحول أهمية توعية الناس قبل التطبيق.. وحول مدى تأهيل الطرق. ففي وقت نرى فيه أن تجاوز الإشارة الحمراء يعد أولوية.. فإن الوقوف على خطوط المشاة والالتفاف إلى اليمين دون توقف قد لا تكون من الأولويات. ثم إن شوارعنا في معظمها ليست مؤهلة لتطبيق مخالفة الوقوف على خطوط المشاة حيث تفتقد إلى خطوط المشاة أصلا!!. أما الالتفاف إلى اليمين دون توقف فإن الكثيرين لا يدركون مقصوده.. الأمر الذي يعكس الحاجة الماسة إلى توعية شاملة تسبق التطبيق.. وأخيرا فإن الملاحظات المشار إليها هي التي أدت إلى إطلاق صفة «الجباية» على النظام ونقلته من مفهوم حماية الأنفس والممتلكات إلى جموح الرغبة في حصد أكبر قدر ممكن من العائدات المالية.. ومن هذا المنطلق نأمل أن تحظى هذه الملاحظات باهتمام القائمين عليه استهدافا للمصلحة العامة.