أخيرا، أقر مجلس الشورى التوصية بتحديد مستوى أدنى للأجور لبعض المهن في قطاعات التشييد والصناعة والتجزئة، وذلك حسب ما نشر في صحيفة المدينة يوم الخميس (9 صفر). يقول الدكتور سعيد الشيخ عضو مجلس الشورى مبررا إقرار تلك التوصية بأن الهدف منها هو «ضمان حصول العامل السعودي على دخل معقول يحول بينه وبين الوقوع في دائرة الفقر»، وأن ذلك «سوف يشجع العمالة السعودية على رفع إنتاجيتها والعمل بجدية للمحافظة على وظائفها»، كما أن «تحديد مستوى أدنى للأجور يؤدي إلى خفض البطالة»، و «خفض نسبة العمالة الوافدة وزيادة العمالة الوطنية». أمر جيد أن يوصي المجلس بوضع حد أدنى للأجور لرفع الحيف الذي هو واقع على بعض الموظفين في القطاع الخاص الذين يستلمون أجورا متدنية للغاية. ويتوقع أن هذه التوصية متى أخذ بها سوف تعين العاملين في ذلك القطاع وتحسن أوضاعهم الاقتصادية. ولكن هل هي أيضا ستؤدي إلى خفض البطالة بين المواطنين، كما يقول سعادة عضو المجلس؟! أشك في ذلك، فطالما أن التوصية خاصة بأجور المواطنين وحدهم ولم تضم إليها الوافدين، فإن البطالة لن تنخفض. ما سوف يحدث، إن أخذ بالتوصية، هو أن القطاع الخاص سوف يتشبث بالحد الأدنى للنسبة المفروضة عليه في توظيف المواطنين ولن يتجاوزها، وسيستمر في سد احتياجاته الباقية بالعمالة الوافدة الرخيصة، التي سوف يكون الفارق في الأجر كبيرا بينها وبين المواطنين بعد وضع مستوى أدنى لأجور المواطنين، أي أننا سنظل ندور في حلبة الصراع القديم مع القطاع الخاص في تهربه من توظيف المواطنين. معظم أصحاب العمل لا يقولون صراحة أنهم يفضلون الوافد لأنه يقبل بالأجر الرخيص، هم غالبا يرددون قول إن الوافد أكثر انضباطا وجدية، أو أفضل مهارة وخبرة من أبناء البلد، فتظهر أسبابهم مقنعة غير مرتبطة بالرغبة في تحقيق نسبة أكبر من الربح من خلال تدني الأجر. ويبدو أنهم نجحوا في إقناع مجلس الشورى بتلك الحجة فصدق أن القطاع الخاص لا يمنعه من توظيف المواطنين سوى أنهم غير جادين، وأنهم متى تغير سلوكهم وأقبلوا على العمل بروح جادة ومخلصة، فإن أصحاب الأعمال سوف يتهافتون على توظيفهم، ومن هنا أصدر المجلس توصيته المفعمة بالتفاؤل في أنها ستحل مشكلة البطالة!! إن المساواة في الأجر بين المواطن والوافد ضرورة، لايقضيها العدل أو القوانين الدولية فقط، وإنما أيضا لكونها عاملا مهما في القضاء على منافسة الوافدين الشرسة، فالتفاوت في الأجور يشكل إغراء لأصحاب العمل، ينحو بهم إلى تفضيل وتوظيف الوافدين حتى وإن تفوق المواطن في عمله واتقن أداءه. هناك بين أصحاب الأعمال من يقف معارضا لوضع حد أدنى للأجور محذرا من أن ذلك سيتسبب في رفع الأسعار وزيادة نسبة الغلاء، وهو كلام ظاهره الإخلاص للمصلحة العامة، لكنه أيضا لا يخلو من خدمة المصالح الخاصة. قد يكون حقا، وضع مستوى أدنى للأجور موحد للمواطنين والوافدين، يسبب رفع الأسعار، لكن رفع الأسعار يدفع بالناس إلى تقليص استهلاكهم وإلى التخلي عن بعض احتياجاتهم، فتكسد السوق، وحين تكسد السوق يضطر التجار إلى النزول بالأسعادر والعودة بها مرة أخرى إلى ما كانت عليه والاكتفاء بهامش ربح أصغر، وهذا ما يخشون منه. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة