تؤكد إحصائيات وزارة العدل أن القضايا التي تكون فيها النساء طرفا أساسيا، كقضايا الخلع والطلاق والميراث والخلافات الزوجية، تستحوذ على ما يقارب 30 في المائة من القضايا التي تنظرها المحاكم. ويبدو أن ذلك كان سببا في ظهور نساء قانونيات ينشطن في الترافع في القضايا النسائية في المحاكم، لكن ذلك يكون عن طريق التوكيل الشرعي، فالنظام حتى الآن لم يجز صدور تراخيص للنساء بمزاولة مهنة المحاماة بصورة رسمية. وتجمع نساء قريبات من المحاكم، أن مدة التقاضي التي يكون النساء طرفا فيها، تطول لتصل إلى أعوام طويلة، في حين يتم البت في قضايا الرجال المماثلة سريعا. يحدث ذلك في وقت تؤكد فيه المحاكم أنها تراعي ظروف النساء وتعجل في جلساتهن، غير أن هناك من يرجع أسباب تأخر البت في بعض القضايا الزوجية إلى تريث القاضي في حل المشكلة وإحالتها إلى لجنة إصلاح ذات البين للاحتكام إلى طرف من أهل الزوج وطرف من أهل الزوجة، فيما يؤكد نساء لهن تجارب في هذه النوعية من القضايا أن مماطلة الزوج وتغيبه عن حضور الجلسات، هو سبب تأجيل الجلسات والتباطؤ في البت في هذه القضايا. ومن داخل أروقة المحكمة العامة في جدة عايشت «عكاظ» قصصا وروايات يسردها نساء عانين كثيرا مع تعاطي القضاء من قضاياهن، وتعج استراحات النساء المخصصة لهن في المحاكم بالكثير من التفاصيل التي تعكس حجم معاناة النساء مع القضاء والتأخر والمماطلة للحصول على حقوقهن في دعاوى مرفوعة، ويجمع عدد منهن أن هذه المعاناة تتضاعف، وأن هناك قضاة لا يتيحون لهن الفرصة لإبداء وجهة نظرهن أو الاستماع لأقوالهن كما يفعلون مع الرجال. قصص المماطلة والتأخير لاحظت «عكاظ» خلال جولتها داخل المحكمة العامة في جدة، زحاما شديدا في قسم القضايا الزوجية، والتقت بأب يراجع المحكمة منذ 14 شهرا في قضية خلع لابنته، ورصدت كذلك زوجة تطالب إلزام طليقها بالنفقة الشرعية على أطفاله، وأخرى تطالب إثبات رعايتها لأطفالها من زوجها المتغيب، ورابعة تشكو زوجها وتطالب إلزامه بفتح بيت مستقل لها. أما أم عبد الله فلا زالت تراجع المحكمة في ثلاث قضايا زوجية، الأولى اتهام طليقها بسرقة جميع أثاث المنزل، والثانية المطالبة بحضانة أطفالها الذين لم يتسن لها رؤيتهم منذ ثلاثة أعوام، والثالثة قضية نفقة، وصدر لها حكم باحتضان الأطفال، لكنها لم تستطع تنفيذ الحكم حتى الآن، وذكرت أن طليقها اتهمها بالجنون، لكنها أثبتت سلامتها مما نسب إليها، وتؤكد أم عبد الله أن طليقها بارع في المراوغة والتهرب من تنفيذ الأحكام وحضور الجلسات، وحتى اليوم لم تتمكن من استخلاص حقوقها رغم وجود كل الأدلة التي تثبت إدانته. تروي سيدة (فضلت عدم ذكر اسمها) قصتها في المحكمة، وتقول إنها كانت تباشر قضية إرث مع خالها، وتقدر قيمة الإرث ب 100 مليون ريال، ولكنها لم تجد التجاوب المأمول، وتشكو التعامل الغليظ معها في بعض الأحيان، وفي إحدى المرات، طلبت من القاضي أن يصرف لها مليون ريال دفعة أولى من حقها في الإرث، فرد عليها القاضي بغلظة وقال لها «اذهبي إلى دار الرعاية الاجتماعية». هناك محاباة للنساء وفي نفس الجولة التقت «عكاظ» برئيس المحكمة العامة في جدة الشيخ إبراهيم القني، الذي رد على ما أورده المراجعون بالتأكيد على عدم صحة المماطلة في قضايا النساء، «على النقيض، هناك من يتهم المحكمة بمحاباة النساء والتسريع في قضاياهن دون الرجال». ويضيف «هناك قضايا تحتاج للتريث، خصوصا قضايا الخلافات الزوجية والخلع وخلافه، والتي تحال للجان الصلح لمحاولة رأب الصدع، وهو ما قد يؤخرها أحيانا، لكن يظل الجميع سواسية مع مراعاة جانب النساء في أغلب الأحيان»، ويؤكد «ينظر القضاة أربعة أضعاف ما يقره النظام، ولأي طرف حق الاعتراض على الحكم وإيضاح ما يرغبه في لائحة الاستئناف أمام محكمة الاستئناف». قضايا النساء تتأخر لكن المستشارة القانونية فريال مصطفى كنج لها رأي آخر، وتؤكد أن قضايا النساء تتأخر في المحاكم بشكل ملحوظ وكبير جدا، وتصل مدة البت في القضايا النسائية ما يقارب أربعة أعوام، «وهذا يعود إلى أن بعض القضاة يرتب على المرأة ما لا تتحمله»، وتروي كنج قصة امرأة ضربها زوجها وطلب منها ناظر القضية إحضار شاهدين لإثبات أن زوجها ضربها، ورغم وجود تقرير طبي لدى السيدة ومحضر في الشرطة يؤكد ذلك إلا أن القاضي رفض التقرير وطلب الشهود، ورغم محاولات المرأة إقناع القاضي أن زوجها ضربها في منزلها وبالتالي لا يمكن إحضار شهود على الواقعة، ظل القاضي متمسكا برأيه حول إحضار الشهود، ثم صرف النظر عن الدعوى. لا توجد أقسام نسائية ومن جهته، يرى المستشار القانوني وعضو هيئة التحقيق والادعاء العام سابقا الدكتور إبراهيم الابادي أن معاناة النساء في المحاكم تأخذ عدة أوجه، منها عدم وجود أقسام نسائية أو مستشارات نسائيات يمكن للمرأة التخاطب معهن والبوح لهن ببعض الأمور التي يصعب على المرأة أن تخاطب بها الرجال، وقال إن وزارة العدل وعدت باستحداث أقسام نسائية في المحاكم إلا أن ذلك لم يتحقق، حتى الرسائل النصية التي تؤكد موعد القضايا لم تفعل حتى الآن. ويصنف الابادي قضايا النساء في أروقة المحاكم إلى ثلاثة أصناف، أولها قضايا الأحوال الشخصية وهي الغالبة على قضايا النساء، ثم قضايا الحقوق المدنية والتي توازي قضايا الأحوال الشخصية، وثالثا القضايا الجنائية وهي قليلة ولا تكاد تذكر. ويؤكد أن المماطلة في الجلسات وتأخرها، هي من أهم أسباب ضياع الحقوق، «إطالة المطالبة بالحقوق يؤدي إلى ضياعها»، ومن الأسباب الرئيسة لتأخر البت في القضايا، عدم حضور الخصوم عند حضور الجلسة وغالبا ما يكون الرجل، إلى جانب تأخر إحضار البيانات والمماطلة فيها، ومماطلة أحد الخصوم في إظهار الحقيقة كاملة، وهناك سبب مهم يؤدي إلى تأخير القضايا، وهو تزايد عدد السكان بما لا يتوافق مع عدد القضاة، «عدد القضاة قليل إذا ما قورن بعدد القضايا، فالقاضي بحاجة إلى ذهن صاف ليستطيع البت في أية قضية وكثرة القضايا المنكبة عليه فيها إرهاق ذهني كبير». 4 آلاف قاض لكل 100 ألف ويشدد مراقبون على أنه رغم الجهود المضنية التي يبذلها القضاة لحسم القضايا المرفوعة في أسرع وقت ممكن، إلا أن قلة عدد القضاة بواقع أربعة قضاة لكل 100 ألف نسمة وزيادة عدد القضايا بواقع 750 ألف قضية في كل عام، يحول دون الإسراع في البت في القضايا، لتصل مدة بعض القضايا إلى أشهر أو سنوات، فيما يتردد المراجعون على أروقة المحاكم والدوائر الحكومية لا سيما الحقوق المدنية وهم يحملون صكوكهم ويحلمون باستعادة حقوقهم، ولكن دون جدوى، فكثير من المدعى عليهم يتقنون فنون اللف والدوران والطعن في الأحكام، ليدفع البسطاء من أصحاب الحقوق ثمن هذه المراوغة، في وقت تمثل فيه قضايا الديون والحقوق 60 في المائة من أصل 850 قضية ومعاملة حقوقية تتداولها المحاكم يوميا.