القضاء، تلك السلطة التي يحتكم إليها المتخاصمون لحل مشكلاتهم وخلافاتهم، لتنصف المظلوم من الظالم، وتعطي كل ذي حق حقه. لهذه السلطة من الرمزية والمكانة الكثير، إلا أن تطور الموضوعات المحتكم فيها، وتزايد عدد القضايا، وتنوع المراجعين، جعل تطوير آلية العمل أمرا حتميا، خصوصا فيما يتعلق بالقضايا التي تحتكم فيها النساء، أو يكن طرفا فيها، كون المرأة لا تزال بسبب الطبيعة المجتمعية، تعاني عددا من المشكلات، التي لم يسلم منها الجسم القضائي. في أروقة المحاكم "الوطن" وفي معرض رصدها لحال النساء في قاعات القضاء، حضرت في أروقة محاكم المنطقة الشرقية، ورصدت حال النساء تحديداً داخل غرف الانتظار، حيث يجلسن منذ الثامنة صباحاً انتظاراً لمواعيد أعطيت لهن سابقاً عند الساعة 8 والنصف أوالتاسعة صباحاً –أي قبل حضور القاضي نفسه- ويقضين ساعات، بعضهن يمضينها في تناول الإفطار، كونهن آتيات من مدن أخرى، أو في تبادل الخبرات القضائية فيما بينهن، أو الدعاء بالإنصاف والحصول على حقوقهن، أو الصمت المطبق. الانتظار الطويل الانتظار الطويل، هي المشكلة التي شكت منها غالبية النساء اللواتي تحدثت معهن "الوطن"، حيث اشتكين من ساعات الانتظار التي تضيع وقتهن، وترهق أجسادهن، وتسبب لهن مشكلات في بعض الأحيان مع عائلاتهن، إضافة إلى ما أسمينه "وجود أنظمة قديمة لم تطور حتى الآن"، كما أنه على الرغم من وجود مفتشة للنساء في الدور الأرضي إلا أنه تتم مطالبة المرأة بإحضار شخصين يعرفانها تماماً كمعرّفين! وفوق كل ذلك، اشتكت بعضهن من "عدم سماع شكوى المرأة كاملة في بعض الأحيان، وإعطاء مواعيد بعيدة جداً بين كل جلسة وأخرى”. كل ما سبق، أثر سلبا في الأداء، الأمر الذي خلق نوعا من التوتر في "صالات الانتظار"، حتى إن بعض النساء تصيبهن تشنجات عصبية، ويغمى عليهن، نتيجة الضغط الذي يعانينه، كما أكد الأمر مجموعة من القضاة الشرعيين، الذين أوضحوا أنه "يتم استبعاد من تصاب بانهيار، أو تبدأ بالبكاء والنحيب ، من مجلس القضاء”. تعديل ضروري تزايدت في الآونة الأخيرة، المطالبة بإعادة النظر في نظام التعامل القضائي، كما الإداري والتجاري، مع المرأة السعودية، وذلك بعد تزايد عدد الحالات المستغلة لهذا النظام، أو المتضررة منه. وتشهد أروقة المحاكم حالياً، عدداً كبيراً من الوقائع، التي لم تكن تحدث، لولا سعي فئة من النساء أو الرجال، لاستغلال هذا النظام، للحصول على حقوق غير قانونية، مستغلين صعوبة إثبات هوية المرأة، لعدم كشفها عن وجهها من جهة، أو صعوبة حضورها للمحاكم والاتصال بها من جهة أخرى، لتكون المرأة هي الخاسر الأكبر، فيما ستكون مستفيدة، في حال أقرت بعض التعديلات، أو استحدثت تشريعات جديدة، تجعل التعامل مع النساء أكثر يسرا ومرونة. حكاية منيرة تجلس "منيرة" على كرسي حديدي، في رواق محكمة "الخبر" الشرعية، ويظهر على مقعدها احمرار صدأ، كما قلبها المحمر من العناء، وما تعانيه من تأخير معاملتها، وما تعتبره "سوء موقف في أروقة المحاكم". فهي تجوبها كل يوم، علها تجد نصيرا بعد الله، يتعامل مع قضيتها دون ما تسميه "عنصرية مسبقة" قبل سماع قضيتها. منيرة ذات ال 29سنة، تعاني مما تعتبره "إجحافا" أكثر من قضيتها الأصلية، والتي أتت من أجلها للمحكمة، تروي حكايتها إلى “الوطن” قائلة بشيء من الألم "إن قلبي زاد انفطاره، رغم أنه يطلب الجبر، حينما رفعت قضية على زوجي، بعدما طردني من المنزل، وانتظرته في بيت والدي ستة أشهر ، ثم ذهبت أرفع قضية عليه في المحكمة، لأفاجأ بأنه قد رفع عليّ قضية مسبقا وغيابيا، يدعي فيها أنني ناشز!”، حينما انتحبت تبكي في مجلس الحكم، مقسمة بالله بأن زوجها هو من طردها، إلا أن القاضي حكم بنشوزها، وأجبرها الحكم على الذهاب الى بيت زوجها، و إطاعته، حيث إنها لم تثبت حالتها في ملف الحكم الرسمي، يوم طرده. كتابات الجدران "أتسلّى بقراءة ما كتبته النساء على جدران الغرفة، في ساعات انتظاري"، تقول "أم زاهر"، الأرملة العربية، التي تسرد معاناتها مع ساعات الانتظار الطويلة، في محكمة "الدمام"، والتي ستكمل العام، دون الانتهاء من الحصول على مطالبها، في الوصاية على أبنائها. السيدة التي تتحدث لنا، جاء دورها للدخول على الشيخ برفقة والدها وشقيقها، لينقطع حبل الحديث، وعندما عادت بعد قرابة 10 دقائق، بدت على وجهها معالم الاستياء وقالت " أتعجب من وجود قُضاة يتعاملون مع الناس بهذا الأسلوب"، وعند سؤالنا لها عما حصل، وما الذي ضايقها في تعامله، قالت، إن "القاضي كان فظاًّ في تعامله، حيث إنه طرد شخصاً أمام نظري ونظر أهلي"، موضحة أن شقيقها طلب من القاضي ضم أبنائها الثلاثة إلى وصايتها، بمن فيهم ابنها ذو ال17 عاماً، لكن ردّة فعل القاضي، لم تختلف، فقد أمر أحد الموظفين في مكتبه بإخراج العائلة من مكتبه، في عملية "طرد دون أي مبرر” على حد وصف أم زاهر، مفصحة عن أنها سئمت من طول الانتظار في كل مرة تحضر فيها إلى المحكمة، حيث يتم إعطاؤها موعدا عند الثامنة والنصف، وتحضر قبله بعشر دقائق، لكنها تؤكد أنها لا ترى القاضي إلا عند ال11 ظهراً، وأحياناً لا تنتهي إلا عند أذان الظهر، متسائلة "لماذا يعطون مواعيد في أوقات لا يكون فيها القاضي قد حضر إلى مكان عمله أصلا!” . أم زاهر، تسترسل في حديثها عن قصتها، قائلة "حضرت إلى المحكمة لتحديد موعد مع القاضي، الذي كان في إجازة، فأعطاني الموظف موعداً بعد 3 أسابيع، لرؤية القاضي، وعندما حضرت رفض القاضي استقبالي وسواي من المراجعات، حيث رفض المواعيد التي أعطيت في وقت إجازته"، مشيرة إلى أن ذلك "تسبب في تعطل مصالحي، ومصالح أبنائي الأيتام، مما اضطرني للذهاب إلى قاضٍ آخر”. شروط متتالية في أثناء حديثنا مع أم زاهر، دخلت علينا أرملة سعودية، تدعى "فاطمة"، كانت تتقبّل ما يجري في المحكمة من حولها بروح الدعابة، حيث لم تفارقها ضحكتها على طلبات إنهاء إجراءات إحضار والدتها المريضة من دولة عربية. وعندما طلبت "فاطمة" الحصول على موعد مع القاضي، لإنهاء معاملتها، تم تحديد الموعد بعد شهرين! حيث بعد ذلك طلب منها ورقة تثبت عدم زواجها –أي فاطمة- وصك حصر الورثة وشاهدان ومزكيّان، الأمر الذي أثار استغرابها، متسائلة "ما دخل زيارة والدتي بصك الورثة!". خلعٌ متعسر أثناء الحديث مع "فاطمة"، حضرت إلى غرفة انتظار النساء مواطنة سعودية، كان الغضب يتملكها، وعند سؤال "الوطن" لها عن قضيتها، أشارت إلى أنها غاضبة منذ خروجها من عند القاضي، وأنها ستصب جام غضبها علينا إن تحدثت، وما هي إلا دقائق حتى هدأت، وأوضحت أنها تطالب بالخلع منذ عام من زوجها، الذي كان قد طلقها أول مرة قبل 6 سنوات، وقالت "كوني أنا من رفع القضية، فبين كل جلسة وأخرى 3 أشهر، ولا أجد مبرراً لذلك، بينما كانت جلسات القضية التي رفعها زوجي في السابق –منذ 5 سنوات- ضدي لحضانة أبنائي، لا تتجاوز شهرا ونصف!"، مضيفة "إن النساء المراجعات أصبحن ضحايا الكمبيوتر"، حيث تُشير إلى أنه "لا يحق لأي شخص اختيار القاضي، أو حتى تغييره"، كاشفة عن كونها قد تعرضت لتهميش من قبل أحد القضاة في قضيتها الأولى، وكان يرفض الاستماع، بحسب زعمها، إلا أنها تاليا حمدت الله، أن قضيتها الحالية ليست عند نفس القاضي السابق. وحول قضيتها الحالية، أبانت لنا عن أنها تشعر بأن قضيتها "محسومة، ولكن القاضي يرفض النطق بالحكم، لأنه يحاول الإصلاح وتهدئة النفوس"، لكنها تؤكد أنه "لا حلّ للمشكلة" بينها وبين زوجها إلا الانفصال، وترى "ضرورة عدم المماطلة في النطق بالحكم لأكثر من 3 جلسات"، لأنها ترى أن “3 جلسات كافية للحصول على الخلع”. مفصحة أنها تحضر إلى المحكمة وهي "يائسة"، لاحتمالها عدم ملاقاة القاضي. ففي إحدى المرات، وبعد انتظار 3 أشهر، "حضرت إلى المحكمة، وإذا بالقاضي في مهمة انتداب!”. مشيرة إلى أنها عندما تعترض فإن رد الموظف لا يتجاوز توجيه الاتهام إلى الكمبيوتر! مسؤولية مشتركة المشكلات السابقة، حملتها "الوطن"، إلى المستشار القانوني، المحامي الدكتور سعد الوهيبي، الذي رأى أن "عدم استحقاق المرأة لحقوقها داخل المحاكم، يعود لسببين: وهو أن هناك بعض القضاة لا يتفهم طبيعة المرأة الإنسانية، فيظن أن في لجلجتها وترددها بالإجابات ضعفا في موقفها، وأنها ليست على حق، وبالتالي يأخذ فكرة غير صحيحة عنها. و الشق الآخر، هو تدني ثقافة المرأة، في كيفية حصولها على حقها قضائيا"، مشيرا إلى "افتقار السيدات للموضوعية والوعي بمهام ومسؤوليات وواجبات القاضي، وإدراك البينات والدفوع المطلوبة في الترافع، فالمطلوب توعية النساء، للتعامل مع مجلس الحكم، والقاضي، والخصم”. الوهيبي اعتبر أن الأمر "يتطلب وعي الطرفين. فلزام على القاضي تفهم احتياجات المرأة، وكيفية التعامل مع القضايا النسائية، وهذا يتم الاستعداد حاليا له، عبر إنشاء المحاكم الأسرية"، مشددا في ذات الوقت على "أهمية توعية وتثقيف المرأة حقوقيا، واستشارة ذوي الخبرة، قبل الشروع في أي قضية. لا أطالب بتدريسها القانون والشريعة، وإنما بما يتناسب وتوعيتها للمطالبة بحقها، بشكل مدروس وصحيح”. مساندة حقوقية من جهتها، أكدت الناشطة الحقوقية، فوزية العيوني، أهمية "تواجد مساندة حقوقية، لكل سيدة تدخل المحكمة، لتترافع عنها، أو تساندها في المفردات التي تتناسب والقضاء"، موضحة أن "لكل متهم الحق في توفير محام، وإن لم يستطع، فعلى الادعاء العام توفير محام له، الأمر الذي يؤكد أهمية تواجد قانوني أو شرعي مع كل سيدة"، مشيرة الى أن "غالبية النساء ممن لديهن قضايا، ينصرفن عن المطالبة بحقوقهن، لعدم ثقتهن بالحكم القضائي". وأوضحت العيوني أن "ما تعانيه النساء في المحاكم، يعتبر تعاملا عنيفا، ونظرة دونية، كونها امرأة، ومتهمة بعدم الوعي والإدراك، رغم حصول غالبيتهن على الشهادات الجامعية"، بحسب وجهة نظرها، مؤكدة في الوقت عينه على "أهمية تعجيل افتتاح محكمة مختصة بالقضايا الأسرية، تعي التعامل بأسلوب معتدل مع النساء، بعد إصدار مدونة الأسرة، التي تحمي حقوق الأسرة بطرفيها، ومصاريف ونفقات وحضانة الأطفال". الجهل بكيفية التعامل صاحبة "مبادرة الطلاق"، الناشطة هيفاء خالد، رأت أنه وبحسب الحالات التي تابعتها مع السيدات المتضررات، اتضح لها أن "كثيرات يدخلن على القاضي، وهن يجهلن مجلس الحكم، وتظن المرأة أنها تدخل عند طبيب نفسي، فيما هو قاض وعمله يتطلب البينة والدليل والبرهان، دون نقاش أو استماع لقصة حياتها"، معتبرة أنه "ليس دور القاضي أن يربت على الكتف". وهي في هذا الصدد، تولي أهمية كبرى بضرورة "الالتزام بآلية تعاملية ثابتة، وتأهيل النساء للتعامل مع القاضي، والخصم، ومجلس الحكم، دون بكاء أو صراخ".