يرجح أن يؤدي استفتاء يجرى في التاسع من يناير (كانون الثاني) حول انفصال جنوب السودان المنتج للنفط عن شماله، إلى انبثاق دولة جديدة هشة تحتاج الأموال والمساعدات من الغرب. لكن ستكون هناك أيضا تداعيات بعيدة المدى بالنسبة للخرطوم. ويأتي الاستفتاء بناء على معاهدة سلام بين الشمال والجنوب وقعت عام 2005، وسيعقبه استفتاء يجريه الجنوبيون على الاستقلال من المرجح أن يكون في التاسع من يوليو تموز. وفيما يلي بعض المسائل التي تواجه شمال السودان في حالة انفصال الجنوب. اقتسام النفط كفلت معاهدة 2005 تقاسم إيرادات النفط بالتساوي تقريبا بين الطرفين من آبار في الجنوب. ومن المتوقع التوصل إلى اتفاق لاستمرار شكل من أشكال التشارك، لأن الشمال يسيطر على البنية الأساسية أو لفترة انتقالية يمكن خلالها خفض نصيب الخرطوم بعد الانفصال. ومن شأن هذا التقليل أن يؤثر بإحداث صدمة اقتصادية فورية في اقتصاد الشمال الذي يعاني بالفعل من نقص في العملات الأجنبية وارتفاع معدلات التضخم. وعلى المدى الأطول، سيحتاج الجنوب المزيد من إيراداته لإعادة بناء المنطقة التي تعاني من آثار الحرب لذلك يجب أن يبدأ الشمال في تنويع مصادره بعيدا عن النفط. ويوجد نحو 70 في المائة مما يقدر بنحو ستة مليارات برميل من احتياطي النفط بالسودان في الجنوب. ووقعت الخرطوم عددا من امتيازات النفط في الشمال تأمل أن ترفع من إنتاج النفط الخام لكن ربما يستغرق خروج أي إنتاج إلى النور ما يصل إلى خمس سنوات. وتقول وزارة البترول إن الإنتاج في الشمال يتراوح ما بين 100 و110 آلاف برميل يوميا. هل ستنشب حرب أخرى؟ شهد أكبر بلد أفريقي حروبا أهلية متقطعة منذ عام 1955 وما زال الصراع مستمرا على نطاق محدود في منطقة دارفور في غرب السودان. وتبادلت أطراف متشددة من الجانبين التصريحات الحادة وكانت هناك مظاهر للعنف. لكن قيادة الجانبين سرعان ما سيطرت على الاشتباكات. ويظهر هذا أنهما يعلمان جيدا أنه بما أن المصالح الاقتصادية للدولتين الجديدتين متداخلة بصورة كبيرة فإن أيا منهما لا يمكنه تحمل العودة إلى الحرب. وهناك أزمة متعلقة بقضية «أبيي»، المنطقة التي يطالب بها الجانبان. لكن من المرجح أن يتم حلها في إطار اتفاق أوسع نطاقا في مسائل ما بعد الاستفتاء. ويقول بعض المحللين الغربيين إن الشمال قد يستغل الحرب ليغطي على أزمته الاقتصادية وأنها قد تحقق عائدا للخرطوم من خلال الصناعات العسكرية المملوكة للدولة. لكن أغلب المحللين السودانيين يقولون إن الشمال سيجد صعوبة في توفير جيش وتمويله لخوض مثل هذه الحرب وهي حرب لن يفوز فيها أي من الجانبين بسهولة. الاستثمارات في الشمال يواجه السودان زيادة في معدلات التضخم ونقصا في العملات الأجنبية، ويمثل الدين الخارجي المتزايد والذي وصل إلى نحو 40 مليار دولار مبعث قلق في الوقت الذي ستقل فيه إيرادات الشمال لتسديد الديون وعلى المدى الأطول لن يكون هناك 500 ألف برميل يوميا من النفط تضمن له الاستثمارات. وأعلنت الخرطوم خطوات تقشف عديدة بما في ذلك خفض محدود في التكاليف وإحياء للنشاط الزراعي لكنها أطلقت وعودا مماثلة في التسعينات ولم تستمر فيها قط. كما زاد الإنفاق على الدفاع والأمن منذ معاهدة السلام في 2005 طبقا لما كشفت عنه دراسة مستقلة أجرتها مؤسسة «يونيكونز» للاستشارات وهو أمر لن يشجع المستثمرين. إذ أن نقص العملات الأجنبية والقيود جعلت من الصعب بالفعل على الشركات تحويل الأرباح وسيرغب المستثمرون في أن يروا حكومة الشمال تنفذ سياسات منفتحة وشفافة في الساحتين الاقتصادية والسياسية لتشجيعهم على الاستثمار. وتشير تقديرات إلى أن عدد الجنوبيين الموجودين في الشمال نحو مليونين ومن المتوقع أن ينتقل نحو 150 ألفا إلى الجنوب قبل التاسع من يوليو (تموز). وسيرغب كثيرون ممن ولدوا أو تعلموا أو عملوا أو تزوجوا في الشمال في البقاء لكن تصريحات من كبار مسؤولي الشمال تقول إنهم لن يكونوا موضع ترحيب أثارت مخاوف من احتمال إجبارهم على الرحيل. ومن شأن أي عملية طرد أن تكون نقطة مثيرة للعنف وستعزل حكومة الشمال على الساحة الدولية أكثر وربما تفقدها الدعم الأساسي الذي تلقته من الاتحاد الأفريقي خلال السنوات الأخيرة. وفي حين أن أغلب المراقبين يعتقدون أن التصريحات الحادة ما هي إلا وسيلة لرفع الأسهم قبل المفاوضات النهائية فإن مثل هذه التصريحات شجعت أقليات متشددة ربما تقرر أن تتصرف بنفسها في حالة انفصال الجنوب. ماذا عن دارفور؟ يدرك المتمردون في غرب السودان أن موقفهم سيكون أقوى في حالة تحقق الانفصال، لأن موقف الخرطوم سيضعف بعد فقد الجنوب، ولأن الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون ستمثل جزءا كبيرا من دولة الشمال المتقلصة الجديدة. ويمكن أن يصعدوا من مطالبهم بتقرير المصير اقتداء بالجنوب. واستؤنفت اشتباكات عسكرية لكن تم قطع مسار الإمدادات الأساسية من تشاد للمتمردين. ويعتقد محللون أن الجنوب قد يساعد مسلحي دارفور إذا دعمت الخرطوم مقاتلين في الجنوب، ما يعني انخراط دارفور في حرب بالإنابة. بالإضافة إلى ذلك ففي الوقت الذي يستأثر فيه الجنوب بأموال الجهات المانحة ستكون المساعدات المتاحة لدارفور أقل ما يوحي بظهور أزمة إنسانية أخرى. ويبدو أن الصراع في دارفور سيستمر كصراع على مستوى منخفض لسنوات مقبلة. هل سيصبح الشمال أكثر عزلة؟ ستصبح دارفور مصدر القلق الرئيس للشمال بسبب أمر الاعتقال الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس عمر حسن البشير المتهم بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية هناك. وربما تؤدي سياسته القائمة على الإصرار على القيام بزيارات لدول مجاورة تتعرض لضغوط غربية حتى لا تستضيفه إلى عزل الشمال بدرجة أكبر وفقده حلفاء. كما أشار البشير إلى أن الشريعة ستطبق بشكل كامل في الشمال وتحافظ الخرطوم على روابط سياسية واقتصادية أقوى مع إيران مما سيثير قلق الغرب. وعرضت أطراف رئيسية مثل واشنطن، لندن، وأوسلو حوافز على الشمال ليتبنى الحكم التعددي الديمقراطي بعد الانفصال. وعرضت زيادة التجارة ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتخفيف محدود للعقوبات الأمريكية. لكن تلك المكافآت ربما لا تزيد ثقلا عن الضغوط لأعضاء في الحزب الحاكم في الخرطوم الذين يرفضون السماح بأي مجال للمعارضة، ويرون أنها يمكن أن تشجع المزيد من الميول الانفصالية وتضعف قاعدة سلطتهم في الداخل. ويخشى الكثير من أبناء شمال السودان أن تصبح حكومة الخرطوم بعد الانفصال أكثر حدة وعزلة.