قرأت دراسة قبل أشهر وحقيقة لا أعلم ما مدى مصداقيتها لأنها خرجت من البلد المعني بالأمر .. هذه الدراسة خرجت من الشقيقة مصر تقول: إن الطفل المصري هو أذكى طفل في العالم قبل أن يدخل أولى المراحل الدراسية. لا يهم إن كانت هذه الدراسة دقيقة، واقعية أم لا .. ولا يهم أيضا إن كانت هذه الدراسة شملت أطفال جزر البهاما مثلا أم لا، الذي يهم فعلا أن تكون فكرة الإسقاط في هذه الدراسة قد وصلت للإخوة القائمين على التعليم في مصر، وإن كنت أتوقع أن يكون الرد عليها بالأسلوب التهكمي الشهير .. وإيه يعني!. لنترك عقليات أطفال مصر المحروسة ونتحدث عن عقليات أطفالنا والتي يتم اغتيالها حتى قبل المرحلة الدراسية الأولى .. شاهدت برنامجا على إحدى قنواتنا المحلية يفترض أنه مخصص للأطفال وليس لكائنات فضائية، مذيعة ذات ملابس فاقعة الألوان ولا أظن أن سبب اختيارها للألوان الفاقعة المثيرة للغثيان بسبب مزاجها أو تلبية لنداء الموضة .. أجزم أنها لبست هذه الألوان لاعتقاد من فريق الإعداد أن هذه الألوان يألفها الأطفال وتبث في نفوسهم نوعا من المرح والارتياح النفسي (أرجوكم لا تضحكوا حتى أكمل) أعود إلى المذيعة التي تجري لقاءات مع عدد من الأطفال أصحاب أعمار أربع وخمس سنوات، تبدأ المذيعة بانحناءة موجهة سؤال لأحد الأطفال: وش اسمك يا شاطر؟ يرد الطفل: اسمي أحمد، تعود لتسأله مرة أخرى وترسم على وجهها ابتسامة بلهاء: تحب ماما وبابا؟ تحترم اللي أكبر منك؟ إلى آخر هذه الأسئلة السطحية .. حقيقة لا ادري هل المذيعة أو فريق الإعداد أو حتى المشاهدين ينتظرون من الطفل أن يقول لا أحب أمي ولا أبي، ولا اعطف على الصغير فضلا عن احترام الكبير .. المضحك فعلا أن حتى هذا البرنامج يعرض مسجلا وليس على الهواء ربما يخشون أن يفشل أحد الأطفال في الإجابة ليتعرض كل طاقم البرنامج للعزل مع القناة. في المقابل هناك برنامج على إحدى القنوات البريطانية .. يوجه فيه المذيع الأسئلة لأطفال في السابعة من العمر بخصوص انتشار العنصرية المذهبية في مدارس أسكتلندا بين الكاثوليك والبروتستانت .. كان المذيع يسأل الأطفال بجدية وكأنه يتحاور مع عقول راشدة .. حيث أجاب أحد الأطفال «إن هذا الصراع والعداء والكره تجاه الآخر يبدأ زرعه في الأطفال من البيت مرورا بالشارع إلى المدرسة، وبالرغم من ذلك نحن نتعصب وندافع لفريق لم نختر أن نكون من ضمنه، حتى آباؤنا لم يختاروه».. ينتهي حديث الطفل. الجميل في البرنامج أن المذيع جعل الحلقة كأنها مناظرة بين رجلين ناضجين وهي بين طفلين أحدهم بروتستانتي والآخر كاثوليكي ليصل لنقاط التقاء بينهم. هؤلاء الأطفال بكل تأكيد لم تمر عليهم مذيعة تتصنع الابتسامة وتلبس ملابس مثيرة للغثيان لتسألهم الأسئلة السطحية تحب ماما وبابا يا شاطر؟ إذا كان الطفل المصري بحسب الدراسة المصرية «إياها» أذكى طفل في العالم قبل أن يدخل المدرسة فإن الطفل السعودي أسرع عقل يتم اغتياله في البيت والشارع والإعلام قبل دخوله إلى المدرسة ليخرج إلينا جيل مشوه ذهنيا مقتول فيه الإبداع والاكتشاف، جيل متشرب للطرح الإعلامي السطحي، جيل بلا ثقافة ولا هوية فكرية. الحكاية التالية قد تؤكد شيئا مما وصلت إليه الدراسة أعلاه: مذيعة سطحية، لا أظنها كانت ترتدي الملابس فاقعة اللون تسأل طفلا: تحب بابا وإلا ماما؟ أجاب الطفل أحب باما. عواطف العصيمي إدارة تعليم مكة المكرمة