عندما يعانق ثلج الصبر جمرة المصيبة تتلاشى.. كما الدخان، وعندما يلهج لسان العبد بعبارة: حسبنا الله ونعم الوكيل فإن الله يلهمه الصبر والسلوان، وينزل السكينة على قلبه مهما بلغت قوة مصيبته وعظم ألمه. فقد كدرني أشد الكدر نبأ وفاة زميلي وصديقي المستشار الجراح الأخ العزيز الدكتور أحمد محمد بن حسين حلمي. عرفته منذ عام 1980م عندما بدأت عملي في مستشفى الملك فهد للقوات المسلحة بجدة. كان المرحوم بإذن الله آنذاك يعمل مستشار جراح في قسم الجراحة، وتولى رئاسة قسم الجراحة في المستشفى بعد أن تقاعد زميلنا الدكتور أحمد ملا من رئاسة القسم. ولكن أقول إن الدكتور حلمي كان حليما مع مرضاه.. شهادة له عن قرب ومعرفة عملية واقعية شعرت بها طيلة عملي معه، هو في قسم الجراحة، وأنا استشاري أمراض باطنية في قسم الباطنية. والدكتور حلمي كان يكيف نفسه في التعامل مع كل موقف بما هو في صالح مريضه، بالصبر على المرضى عند علاجهم، وبالذات كبار السن توقيرا لهم واحتساب الأجر. أثناء المرور اليومي على المرضى كان يبتسم في وجه المريض لتكون بسمته في وجه أخيه صدقة، وكان يحذر من التسرع في تشخيص الداء وينصح بالتريث في وصف الدواء، والدكتور حلمي كان حريصا على ستر عورات مرضاه طمعا في ستر الله يوم القيامة كما رواه مسلم. كان الدكتور أحمد حذرا من كثرة الكلام (والسواليف) مع المريض إذا كان خارج عيادته مرضى ينتظرون، حيث كان يعلم أن مرضاه منهم من ترك عمله ومشاغله وأطفاله. أما من خلال عملي معه، أذكر أنني كنت رئيسا لقسم الباطنية وهو رئيسا لقسم الجراحة، والقسمان في الدور الثاني للمستشفى، وكان قسم الباطنية قد امتلأ بمرضى كبار في السن لا يحتاجون طبيبا، ولكن لم نتمكن من إخراجهم من المستشفى بسبب كبر سنهم أو إعاقتهم الجسدية، وأهلهم لا يستطيعون العناية بهم في منازلهم، والقسم مليء بهم، ولا يوجد سرير ندخل فيه حالة مريض يحتاج التنويم والعلاج، فذهبت إلى الدكتور أحمد حلمي وأشرت عليه بأن نتقاسم غرفة قسم الجراحة للاجتماعات اليومية لقسمه، فنصفها يصبح لقسم الجراحة والنصف الآخر لقسم الباطنية، فسألني عن ماذا سأفعل بغرفة اجتماع قسم الباطنية الموجودة حاليا، فقلت له سأحاول تجهيزها بوضع عشرة أسرة فيها لتصبح عنبرا متخصصا للعناية بالمرضى العجزة والمعوقين الموجودين في عنبر الباطنية الرئيسي بلا مبرر ولا فائدة، وبهذا سأوفر عشرة أسرة في عنبر الباطنية لتنويم المرضى المحتاجين من الحالات الطارئة. قبل الدكتور أحمد محمد حسين حلمي اقتراحي بكل يسر وسعادة، وفعلا قسمنا غرفة اجتماع قسم الجراحة إلى قسمين، نصفها للاجتماعات اليومية لأطباء قسم الجراحة، والنصف الآخر لاجتماعات أطباء قسم الباطنية، وتكون عنبر جديد سميته «عنبر العناية المتميزة»، وقام بافتتاحه مدير عام الخدمات الطبية لوزارة الدفاع مع مدير عام المستشفى الزميل الصديق الدكتور عبد الحميد أبو السعود، وبهذا أوجدت في عنبر الباطنية عشرة أسرة شاغرة لتنويم مرضى يحتاجونها، وكان السبب الأول هو تعاون وصداقة وصدق وحلم ووفاء أخي وزميلي وصديقي سعادة الدكتور أحمد محمد حسين حلمي. وأختم هذا الرثاء بكلمات من تأليف والد الدكتور أحمد يرحمهما الله: ما عشت لا أنسى ولا أنا سالي فالذكريات طويلة الآجالي أنعم بها من ذكريات حلوة ستظل عندي متعة الأجيال رحمكما الله يا أحمد ويا محمد، فنعمة ذلك الابن من نعمة ذلك الأب. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 189 مسافة ثم الرسالة