بعض المصادفات التي تحدث لك تساعدك على فهم معوقات تطور المطارات، كذلك ما الذي يعنيه البعض إذ يطالبونك بالزهد وبأن هذه الحياة فانية وعليك ألا تتشبث بها، أو كما قال أحدهم: «الحياة أشبه بامرأة جميلة لكنها غير نبيلة». كنت في الأسبوع الماضي عائدا إلى جدة، وكان في نفس الطائرة شخصية اعتبارية، فدار بيننا حوار طويل حول المجتمع وصراع التيارات والمخاض الذي نعيشه. ما أن وقفت الطائرة حتى هرولت «للأتوبيس» هربا من زحام الجوازات، لكن الشخصية الاعتبارية أصر على أن أذهب معه بالسيارة التي تنتظره تحت الطائرة، والتي شاهدتها كثيرا، وكثيرا كنت مثل باقي الركاب أغبط صاحبها بداخلي وظاهريا أدعي اللامبالاة. ولأن الشخصية الاعتبارية ألح كثيرا على أن أذهب معه في تلك السيارة ركبت معه، لاكتشف العالم الذي لا أعرف عنه شيئا كباقي ركاب الطائرات. عليّ أن أنبه أنني لم أكن أحتاج كل ذاك الإلحاح من الشخصية الاعتبارية، فالإنسان بطبعه يحب الرفاهية والراحة، حتى من يعظوننا بالزهد، فالغلبة كانت لهم في المكتب التنفيذي، فأكثر رواد تلك الصالة الفارهة جدا «يحفون الشوارب ويطيلون اللحى». أول صدمة حضارية كانت مع موظف الجوازات، فهو وبلطف قال لي: «تفضل طال عمرك»، مما اضطرني لأن التفت للخلف، فأنا وطوال مروري في مطاراتنا تعودت على سماع مصطلح «هيي تعال»، أما للوافد فيقال له «هش تعال». حين لم أجد شخصا خلفي، أعدت النظر له فابتسم وأعاد كلمته «تفضل طال عمرك». في ذاك المكان شعرت أن موظفي المكتب التنفيذي أكثر إنسانية لأنهم رأوني إنسانا ويمكن أن يتلاطفوا معي، شعرت أيضا أن لوعاظنا مفهوما مختلفا عن مفهومنا بالزهد، فالزهد لا يعني أن ترفض الرفاهية، بل أن تهرب من رائحة عرق المسافرين المكدسين في طوابير طويلة، وأن على الواعظ أن يزهد من الاختلاط مع البشر. في ذاك المكان اكتشفت أنه لا يمكن لمطاراتنا أن تتطور، لأن بعض الشخصيات تذهب من مكان مختلف عن المكان الذي نذهب منه، والموظفون مختلفون ولبقون، والصالات لا مقارنة بينها، حتى دورات المياه لا تنقطع الماء عليها وبجانبها حارس للنظافة. قلت: اكتشفت أنه لا يمكن لمطاراتنا أن تتطور؟ [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 127 مسافة ثم الرسالة