كثيرا ما نسمع ونقرأ عن مصطلح الحشود والذي يقابله باللغة الإنجليزية (CROWD) ويأتي هذا المصطلح من كلمة احتشد ويحتشد أي تجمع، فيقال احتشدت الجماهير في مباراة لكرة قدم أو عرض رياضي أو عسكري أو سياسي أو ترفيهي أو ديني أو غيرها وفي هذا النوع من الاحتشاد يغلب عليه المظهر الإيجابي وهناك نوع من التجمعات السلبية (حشود) في صورة تهدف للتخريب أو للتظاهر أو للهروب من مواقف مفزعة أو مفجعة كالسيول والكوارث الطبيعية وغيرها. وهكذا فإن الحشود هو تجمع كبير للناس في موقف معين نحو هدف معين وغالبا ما يكون في مساحة ضيقة جدا بحيث تختفي فيه صور الأفراد وتصبح الصورة العامة هي صورة المجموع. ويتزامن مع وجود هذا الاحتشاد سلوك مختلف عن السلوك العادي والمألوف للأفراد فهم في حالة وجود هذا الموقف الجديد يغلب عليهم فعل وتصرف مختلف عن حالة وجودهم أفرادا. ويتشكل السلوك الجماعي (كما يرى ذلك علماء النفس الاجتماعي) بحسب طبيعة الهدف الذي يجتمع حوله الناس وطبيعة الجماعة والجو المادي والجو النفسي (من هدوء أو ضوضاء) والمساحة الفيزيائية وغير ذلك من المتغيرات. وما يشاهد ويلاحظ في كثير من أنماط الحشود والاحتشاد المحلي والعالمي هو السلبي الذي أشرت إليه سابقا والذي تكون نتائجه في الغالب سلبية إما على مستوى الملك العام أو على مستوى الملك الخاص للنظام الاجتماعي بل وتنتهك فيه في كثير من الأحيان الخصوصية الفردية والحق الخاص وحتى الحق العام ويسير السلوك في عمومه بلا ضبط وبلا ضابط اللهم في الحالات التي تأتي بتنظيم نابع من إطار مرجعي معروف ومألوف، كذلك الذي من تنظيم نظامي أو قبلي أو حزبي أو ما يشابهه حيث يتحكم المسؤول أو شيخ القبيلة أو رئيس الحزب في تصرفات الجماعة وينظم انفعالها ونتائج احتشادها. وفي كل الأحوال فإن عامل طبيعة الجماعة يلعب الدور الأكبر في طبيعة الاحتشاد ونتائجه وصورته العامة أمام أي تجمع. وطبيعة الجماعة التي نعني بها هنا هي التي تشمل مستوى التعليم والثقافة والتحضر والمستوى الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي بين أفراد هذه الجماعة ولنأخذ على سبيل المثال التجمعات التي تحدث في البلدان الغربية مع تلك التي تحدث في البلدان التي تسمى بالنامية فماذا نلاحظ في سلوك الاحتشاد في المقارنة بين النمطين؟ في الأولى نرى تعبيرات وانفعالات منظمة ومعبرة في غمرة الاحتشاد ونتائج غير هدامة وتسير وفق خطة التجمع والاحتشاد بينما في النمط الثاني يلحظ المشاهد تأثير الخلفية الثقافية والحضارية والأخلاقية قي السلوك حيث الفوضى والأنانية والاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة وانتهاك الخصوصية سمة بارزة، وهي ترجمات للإطار المرجعي لهذه الجماعات والتي تعود أفرادها على السلوك غير المسؤول وغير المنضبط. إن سلوك الجماعات في أثناء الاحتشاد هو صدى إلى حد كبير للخلفيات التي أشرت إليها فيما سبق ومع ذلك فإنه يمكن تهذيب وتحسين النتاج العام لما أسميناه بالسلوك الجديد لاحتشاد الأفراد في حالة احتشادهم، وذلك وفق ميكانيزمات تخص أفراد الجماعة أو تركيبة الجماعة نفسها لا مجال للحديث عنها هنا. والذي يعني القارئ والمتابع الآن لعنوان هذا المقال هو سلوك الاحتشاد بين الحجاج هل سلوك تنطبق عليه مواصفات الحشود التي تحدثت عنها فيما سبق، أم أن الاحتشاد في الحج ظاهرة خاصة؟ إن الاحتشاد في الحج لا يختلف كثيرا عما أشرت إليه من مواصفات وتحليل لسلوك الحشد العام من حيث عناصر المحتوى وكذلك تفسير السلوك أثناء التجمع، اللهم إلا أن خصوصية الهدف من الاحتشاد (أداء الشعيرة الدينية) يجعل لهذا النوع من الاحتشاد خصوصية نادرة وتحتاج إلى دراسة خاصة من حيث كونه احتشادا إجباريا تحكمه إلزامية الفريضة وتوحد الهدف حيث يختفي شكل ونمط التجمع عما تسير عليه أشكال وأنماط الحشد المعروفة، فالجانب الروحي يشكل أساس التجمع والهدف الديني هو محور هذا التجمع ومن ثم فإن كثيرا من الجهود لتوجيه الحشد وضبطه وتنظيمه وإدارته تصبح عملية ليست صعبة أو سلبية خاصة بالرغم من تأثير الخلفيات غير الإيجابية للمحتشدين من تعليمية وثقافية وغيرها، حيث يمكن استثمار العناصر المحفزة لتحقيق الهدف والمناخ العام المشكل لهذا التجمع وجعله نموذجيا وهذا ما يجري في المراكز البحثية المتخصصة كمعهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج في جامعة أم القرى، إلا أن مزيدا من الأبحاث العلمية المتخصصة لدراسة هذه الظاهرة من الناحية النفسية الاجتماعية أصبحت ضرورة لتستكمل الاستفادة من هذه الظاهرة بالشكل الإيجابي النموذجي الذي أرادها الله سبحانه وتعالى وتسعى الدولة مشكورة في تنفيذ هذه الخصوصية والشعيرة بكل تفان وإخلاص. وبالله التوفيق. [email protected]