برنامج «بانوراما» المشهور على محطة «بي بي سي» الأولى وجه نقدا حادا لمدارس «الويكند» الإسلامية في بريطانيا، ولم يحدد منها بالاسم والرقم إلا المدارس السعودية، رغم وجود مدارس تتبع لدول أخرى، معتبرا أن المنهج الذي يدرس فيها معادٍ للسامية، وأنه يحرض على كراهية الآخر، وعلى التعامل معه بدموية، والقضية التي عرض لها البرنامج يوم الثلاثاء 23 نوفمبر 2010، تناولت وجهات نظر متحاملة في مجملها، باستثناء رأي يتيم ل «باري شيرمان» النائب العمالي لشؤون الأطفال والمدارس، وقوله إن الأمر ليس شرا كله وأن بعض المدارس الإسلامية جيدة. وأشار «بانوراما» أيضا إلى وجود مطالبات داخل بريطانيا بإغلاق المدارس، وطبقا ل «أوفستيد» أو الهيئة المعنية بمراقبة المعايير التعليمية في المملكة المتحدة، فالمدارس المذكورة لا تقع تحت إشرافها، والمعنى أنها ليست نظامية، وحتى تصدر الهيئة قرارا لصالحها أو ضدها تحتاج المدارس إلى تعديل وضعها، والتسجيل نظاميا كمؤسسة تطوعية أو مركز تعليمي أو مدرسة، وفي الثالثة يجب عليها الالتزام بشروط «أوفستيد»، وبنفس طريقة إدارة التعليم الأهلي والأجنبي في وزارة التربية والتعليم السعودية، والمقصود أنها إذا كانت خاصة بالسعوديين أو المسلمين من غير البريطانيين فلا يحق للهيئة التدخل في عملها، هذا بالتأكيد ما لم يثبت بالدليل القاطع صحة ما ورد في «بانوراما»، أما في حالة وجود بريطانيين أو إذا كانت الشهادات تصدر أو يصادق عليها من جهات التعليم البريطانية، فلا بد وأن تلتزم هذه المدارس بالأحكام المنظمة للعمل التعليمي البريطاني، تماما كما هو الحال في السعودية، وما تفرضه من شروط للاعتراف بشهادات التعليم الأجنبي، وقبول التحاق السعوديين، ومن الشروط على سبيل المثال أن تكون نسبة المقرارات الدراسية الخاصة بالدراسات الإسلامية وتاريخ وجغرافية المملكة في حدود 50 في المائة من المنهج الدراسي على الأقل. ما ذكر لا علاقة له من بعيد أو قريب بما صدر في وقت سابق، ونص على تحويل المدارس السعودية في بريطانيا إلى مراكز تعليمية، لأن الأسباب مختلفة وبعضها وجيه جدا، وقد عرفت من مصادر محايدة نسبيا أن الفكرة قديمة، وهناك ملاحظات على عمل المدارس، خصوصا بعد إلغاء الاختبار الموحد للثانوية العامة، وكتب جون راولز في مؤلفه المعروف: نظرية العدالة (1971) أن الإنصاف الاجتماعي لا يمكن أن يحدث، إلا إذا كان موزعا على الجميع وبالتساوي، وبأسلوب يضمن الاعتراف بوجود فروقات حقيقية بين الناس في المجتمع، ويحقق حضورا فاعلا ومنتجا للفئات الاجتماعية الأقل حظا، كالأقليات والفقراء والملونين والأطفال... وهكذا، وقرأت أن المواقف الأخلاقية للأشخاص في الشرق والغرب متفاوتة، وتحكمها ثلاثة مستويات، تبدأ بالتقليدي الذاتي، أو بالشخص الذي لا ينسجم أخلاقيا إلا مع ما يخدم مصالحه أو يعبر عن وجهة نظره، وتمر بالكلاسيكية المطابقة، وتعريفها أن الأخلاقيات مشروطة بتقاليد وعادات المجتمع وتوقعاته، وتنتهي عند الحداثي المستقل، أو من يترك للآخرين حرية معقولة في بناء خياراتهم الأخلاقية، على أن تكون هذه الخيارات معبرة عن مشترك اجتماعي أو مصلحة عامة، ولا تنحاز لطرف على حساب طرف، وقالت كارول غليغان في قراءتها السيكولوجية لطبيعة المرأة الغربية (1982) إن العاطفة تلعب دورا أساسيا في حكمها الأخلاقي مقارنة بالرجل الغربي، وأعتقد أن الرجال والنساء في العالم العربي عاطفيون في أحكامهم إلا ما ندر. التحفظات الإعلامية على برنامج «بانوراما» كثيرة، وأبسطها أن صوت الطفل وهو المستفيد الأول من المدارس في المرحلة الابتدائية والمتوسطة لم يكن حاضرا، ولم يضع معدو البرنامج في حسابهم مقدار ما قد يتعرض له من ضرر أو تعليقات جارحة أو معادية أو اعتداءات محتملة، خصوصا أنه يدرس بقية أيام الأسبوع في مدارس بريطانية، والمفروض استشارة الخبراء النفسيين والاجتماعيين قبل البث، والنظر في الآثار المترتبة عليه، وأول (بركات) البرنامج ربما مظاهرات ضد المسلمين قام بها اليمين البريطاني في مجموعة من المدن البريطانية، ولعل موضوع التعامل الإعلامي مع الطفل يستحق التوقف، فقد ذكر نيغل وليامز (1997) أن ثلاثة فقط من المواثيق الأخلاقية في الإعلام الأمريكي تناولت حقوق الطفل في التغطيات الإعلامية، والإعلام البريطاني في رأيي لا يبتعد عن هذا التصور، إلا عندما يكون الطفل مصابا بمرض عقلي أو إعاقة، وإلا كيف نفسر نشره أو نقله لصور أطفال المجاعة في الصومال، وصور غيرهم من الضحايا والمشردين أو المستغلين بشكل أو بآخر في أماكن الحروب والأزمات في العراق وأفغانستان وغزة، وتردده في نشر أو نقل صور مشابهة لأطفال العالم الأول، وصوت الطفل أو صورته المؤثران قد يسهلان من وصول الرسالة الإعلامية، ويرفعان من مستوى تفاعل المتابعين والمسؤولين معهما، ويلجأ إليهما الصحافيون لإقناع المتابع بأن شخصيات الأطفال حقيقية وليست مختلقة أو مفبركة. حضور الصغار في أخبار التلفزيون والصحافة مطلوب وضروري، وتزداد الأهمية إذا كانوا شهودا على جرائم أو تجاوزات خطيرة، والواجب أن يتم التعامل مع تصريحاتهم وأخبارهم بعناية وخصوصية، وبدون أن تفقد الصحافة أخلاقياتها أو يخسر المجتمع أيا كان مبادئه وقيمه الجميلة، والأطباء النفسيون في العالم الغربي يرون بأن الاعتماد على الأطفال كمصدر إخباري موثوق لا يكون قبل 13 سنة، لارتفاع احتمالات التأثير عليهم من الوالدين أو الاعلام نفسه، والملفت أن «بانوراما» ذكر هذا السن تحديدا في قضية المدارس، ولم يقابل طالبا واحدا!. binsaudb@ yahoo.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة