في كتابه، الضخم الرائع «شخصية مصر»، يتوصل «جمال حمدان» إلى حقيقة مؤسفة، خلاصتها أن مصر على مر تاريخها وبحكم من جغرافياها أيضا، ظلت غير قادرة على هضم المواهب الخارقة والنوابغ عالية الفرادة؛ لأنها متوسطة في كل شيء، وليس أدل على صحة هذه الملاحظة من السينما المصرية، التي ظلت على مر تاريخها في حالة خصام وحذر مع المواهب، المتفوقة أكثر من اللازم؛ لذلك فإن أفضل ممثلي السينما المصرية ليسوا أبدا أكبر نجومها ولا أكثرهم حضورا، أكاد لا أستثني سوى أحمد زكي وقبله شكري سرحان أما بقية المواهب الخارقة، فقد ظلت تتحرك في خانة الدور الثاني وما هو أقل ولم يفلح سوى عدد قليل من هذه المواهب الاستثنائية في الحصول على بطولات سينمائية قليلة ومتباعدة، محمود المليجي مثلا، كان يمكنه أن يكون «انطوني كوين» آخر على مستوى السينما العربية على الأقل، بالرغم من ذلك حصرته السينما في أفلام بعض منها رخيص وفي أدوار ثانوية، ولو لم يكن ليوسف شاهين سوى التنبه لمثل هذه الموهبة، وتقديمها في أفلام مهمة وفي أدوار صعبة لكفاه ذلك فخرا، صلاح منصور هو الآخر موهبة عالية، كل شيء فيه يمثل، وكل شيء فيه قادر على التعبير، بما في ذلك كرشته وقفاه، وهل أدل على موهبة، أكثر من قدرتها على سحب البساط من سعاد حسني وشكري سرحان وسناء جميل دفعة واحدة مثلما فعل صلاح منصور، في فيلم «الزوجة الثانية» لصلاح أبو سيف؟!، وماذا عن حمدي أحمد الذي كان في صمته قادرا على قول كل شيء، أما إذا تكلم، فإن شعورا عجيبا يمسك بأن هذا الرجل يخرج الكلمات، من أقصى أماكن الروح؟ وقس على ذلك: عبد الله غيث ومحمود مرسي وجميل راتب، و محسنة توفيق، و سهير المرشدي، وعلي الشريف وصلاح السعدني وهاهي السينما العربية اليوم، تنقلب على نجومها القدامى، ومفاهيمها الفنية القديمة، و طرائق التصوير، لكنها تظل محافظة على سياستها، الحذرة، من المواهب الفخمة، مؤكدة ضرورة معاقبتها، حتى أنني لا أظن أبدا، أن هناك فرصا حقيقية كافية، وبقدر الموهبة، يمكنها أن تقدم لأمثال: باسم سمرة وآسر ياسين وعمرو واكد وفتحي عبد الوهاب وخالد الصاوي وغيرهم، ممن يتمتعون بمواهب أعلى مما يمكن للسينما المصرية احتماله، مواهب يصدق عليها قول الشاعر سوران: يلفها النسيان جزاء عدل لم تحتط كفاية فيتشابه مرادها!