شغل العالم أخيرا بطرود ملغومة أرسلت إلى أوروبا وأمريكا ووصلت إلى المكاتب الرئاسية لبعض زعمائها وإلى السفارات الأجنبية في اليونان وسادت حالة من الهلع وارتبكت حركة الطيران والبريد العالمي وكان أول ما تبادر للأذهان بأن ما يحدث هو هجوم عالمي جديد للقاعدة عبر الطرود الملغومة، لكن تبين أن طردين فقط كانا من القاعدة في اليمن بينما ما يقارب الخمسة عشر طردا الملغومة الأخرى المرسلة لدول أوروبية ولسفاراتها في اليونان والتي أدت لإيقاع ضحايا لم يكن مصدرها القاعدة إنما جماعة يونانية يسارية متطرفة تسمى «مؤامرة خلايا النار» تتبع «العقيدة الفوضوية أو العبثية-Anarchism»، والعقيدة الفوضوية هي حركة تهدف إلى تقويض بنيان الدول وأنظمتها الرسمية، وغالبا ما تكون يسارية وملحدة وقد يكون لأتباعها مسعى لإحلال مذهب سياسي معين بديل عن النظام القائم، كالشيوعية بدل الرأسمالية، وأحيانا تكون مضادة للأنظمة القائمة وتسعى لتقويضها بالإرهاب وليس لديها أي نظام بديل، وظهرت الحركة الفوضوية في القرن التاسع عشر وكان من ضحاياها رؤساء وأباطرة وملوك من فرنسا وأسبانيا والنمسا وإيطاليا وأمريكا وروسيا، لكنها وصلت لذروة حضورها على الصعيد العالمي في الستينات والسبعينات وانخرطت في الأعمال الإرهابية والتخريبية في أوروبا وأمريكا، ولاحقا دخلت العقيدة الفوضوية في المجال الفكري والمجال الفني وتمثلت في الاتجاهات المناوئة للثقافة السائدة والسلطة الاجتماعية ومنها ما نشط لصالح الحركة النسوية أو ضد الدين أو لحماية الحيوان والبيئة وقد تتطرف وتقوم بعمليات إرهاب وتخريب، ومنذ أواسط التسعينيات وببروز العولمة الاقتصادية كواقع عالمي جديد وفي أعقاب الانهيارات المالية التي نتجت عن سياساتها تكون تيار فوضوي مضاد للعولمة الاقتصادية وله جمعيات ونشاطات منظمة في مناهضة اجتماعات الهيئات الاقتصادية الدولية وبعضها مسؤول عن أعمال التخريب التي تحصل في الممتلكات في أثناء تلك الاحتجاجات، وبعد حوالى العقد على أحداث 11سبتمبر وما تلاها من ردة فعل ضد الإسلام خاصة لدى المفكرين السياسيين الغربيين الذين روج كثيرون منهم أن المشكلة ليست في اتجاه متطرف لدى بعض المسلمين إنما المشكلة في الإسلام ذاته. بدأت أخيرا تظهر دراسات سياسية فكرية أكثر نضجا ومنهجية عملت على دراسة حركات الإرهاب الإسلامية المعاصرة وفق أدوات البحث المنهجية للتوصل لتصنيف لها، فوجدت أنها وفق التصنيفات المتعلقة بالنهج والوسائل والأنماط والأدبيات فهي تنضوي تحت تصنيف حركة «العقيدة الفوضوية»، فمن المشتركات بين حركات الإرهاب الإسلامي وحركات العقيدة الفوضوية؛ أنها تزعم أنها تنطلق من منطلق دفاعي ضد النظم الرسمية بالعموم وتعتبرها طاغية، وتركز على غاية تقويض النظام الرسمي والدولة الرسمية ولا تأبه بالأثر التخريبي لنشاطاتها على نظام الواقع الاجتماعي للسكان وليس لها مساع في المساعدة الاجتماعية بخلاف التوجه الديني القياسي الذي يتميز بالعمل في المساعدة الاجتماعية، ليس هناك بنيان هيكلي محدد للحركة أو الجماعة فهي نظرية وفكرة أكثر منها جماعة متماسكة لها عقل مدبر مسيطر وهيكلية محددة كما هي حركات التحرر عادة ولهذا يصعب القضاء عليها، استعمال الإرهاب كوسيلة لإكراه الشعب على التمرد على النظام لكي تتوقف عنهم ضربات الإرهاب من جهة، ومن جهة أخرى ردة فعل السلطة على العمل الإرهابي قد يثير امتعاض البعض ضد ذلك النظام. الفعل المناوئ لذات المناوئة أي الثورة لذات الثورة فمن يتابع أدبيات الجماعات الإرهابية الإسلامية لا يرى فيها أي مخطط حقيقي لنظام بديل قابل للتطبيق في الواقع العالمي المعاصر المعقد ولا يوجد ضمن قياداتها من لديه مؤهلات للحكم في مثل ذلك الواقع المعقد إنما كل أدبياتهم تنصب على تقويض النظم الرسمية وحسب.. ولهذا كان ملفتا قيام جماعة إرهابية إسلامية وأخرى يسارية فوضوية ملحدة يونانية في وقت متزامن بذات النوع من العمل الإرهابي، وهذا التشابه في الوسيلة دليل على أن هذه الأعمال الإرهابية ليست خاضعة للاعتبارات الأخلاقية والشرعية للإسلام، وإلا لما تشابهت مع تلك التي لجماعة ملحدة فوضوية عبثية. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 217 مسافة ثم الرسالة