ذات مرة أودع كفيف أسترالي في ذاكرتي قصة ربما تكون ممتعة من الداخل وغير ممتعة بطقسها العادي لمن لا يريدون رؤية الأشياء من الجانب الآخر.. تلك هي تجربتي مع الشارع والمرويات من خلال كتب قديمة وحديثة لاستخلاص حكمة تعلن عن نفسها مع تحييدي لأي تطفل فكري من نوعه على مسار القصة. لندع الناس بشفافية يتحدثون عن أنفسهم. تلك هي أول مبادئ الحرية.. ويفترض في كل إنسان ليس قادرا على الإفادة من الاقتباس بحدود الرؤية، أن يترك الفرصة مواتية لكل من يرى أن يعيد من خلال وجهة نظره صياغة القصة. لقد سبق لي الاعتراف ذات مرة أنه يوجد في حياتي كفيفان وللواقع ربما كانوا أكثر من ذلك، إذا ما أضافني شخص ثالث إلى تلك القائمة. الكفيف أكثر حذرا من المبصر ويزداد حذره كلما اكتشف طرفا آخر يريد دفعه من خلال السؤال إلى حافة الهاوية. هنا فقط دعني بعجالة أكتب هذه القصة، إذ وقعت ذات مرة على قصة طرفاها رجل وامرأة ووضعهما تنعدم فيه الشبهة لأنهما زوجان على سنة الله ورسوله. لقد اتفق الرواة أن الرجل كفيف باعترافه وشهادة الزوجة، وأما المرأة فلم أرها ولا أشهد عليها ولا معها، وكذلك الرواة تنصلوا من الزج بأنفسهم في شهادة لم يقفوا من خلالها على تفاصيل ذات علاقة بجمال المذكورة من عدمه. والقصة تدور في كلمتين لا أكثر ولا أقل، إذ زعموا بحسب روايات ألف ليلة وليلة أن المرأة الآنف ذكرها اقتربت من زوجها الكفيف وربما نسيت أنه كفيف قائلة له: «انظر إلى زوجتك كم هي جميله» !!. وطبعا فالكفيف أكثر التقاطا من خلال السمع بحسب النظرية التعويضية.. وهكذا أنحنى الكفيف برأسه فيما كان يهم بالقيام من سريره فنظرت إليه المرأة وأعادت إليه السؤال مرة بعد أخرى، فتراجع الكفيف إلى الوراء قليلا، وعوضا عن النهوض مال إلى وضع الارتخاء واضعا طرفي إصبعيه داخل أذنيه وبأعلى صوته صرخ الكفيف قائلا: «لو كنت جميلة فعلا، فكيف تغاضى عنك المبصرون تدخلين حياتي هكذا مرة واحدة». (انتهى). تلك هي القصة وبطيها جواب الكفيف متوافرا إليه شواهد المكر باستخدام العقل والمنطق.. وهكذا يأتي جواب الكفيف برؤية مصدرها الإدراك ببصيرة متقدة. لقد رأى الكفيف زوجته من خلال الآخرين بما يصحح وجهة نظر المرأة، وربما لن يكون الكفيف عدائيا في إجابته إلا بحسب إحساسه مسبقا أن المرأة تطرح السؤال لا لكي تحصل على «الإطراء الزوجي» ، فيما لو كانت رائعة بالفعل بغض النظر عن انعدام توافر مشهد الرؤية بالعين في حياة الكفيف. وإنما أحس الكفيف أن السؤال مغلف بالتغلي بما يتوافر فيه وإليه القليل من الإذلال الأنثوي لشريكها الآخر. لقد بقيت أفحص إجابة الكفيف لبعض الوقت وأعترف أنني أثناء عملية الفحص أجد الإجابة تغطي كافة الاحتمالات من وراء الإفادة عن عبارة المرأة. إنها الإجابة بنمط دبلوماسي ذكي ولا يمكن الوصول إلى قرارها إلا بمعرفة ما قبل وما يأتي بعد وهي بصيغة تتجاوز القصد الاجتماعي لكل ما هو عادي ومألوف بحسب قول زوج غير كفيف لشريكه الآخر ردا على نفس السؤال «ماذا تريدين وماذا تقصدين على وجه التحديد».. وتلك هي رؤية مفتوحة بتناولات السؤال الإنساني من أجل استخلاص الحكمة من زاوية مختلفة ليس بالضرورة أن يراها كل المبصرين من عدمه. ويا سيدي الكفيف.. أعرف أنه لا توجد لديك أقوال أخرى، فأنت إنسان طريف ولك دم خفيف.. وعن نفسي أكتب قائلا.. «فاتت علينا»، وأيضا «فاتت من جنبنا». [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 265 مسافة ثم الرسالة