لا أحد يمكنه التشكيك في مكانة القضاة المرموقة في المجتمع، ولكن في أول الأمر وآخره فإن القضاة بشر من سائر الناس، والناس معادن، والمعادن منها الذهب ومنها النحاس ومنها الزئبق الذي لا يمكن الإمساك به لكثرة تملصه!، وفي كل مرة أتطرق فيها لموضوع يخص القضاء أتلقى رسائل من بعض أصحاب الفضيلة القضاة تكشف لي حجم التفاوت الكبير بينهم واختلاف أنماط تفكيرهم، فمنهم من يناقش بكل هدوء وموضوعية كما يليق بقاض وقور ومنهم من يبدأ رسالته بعبارات لطيفة من نوع: (ياصاحب المقالات الوضيعة)!. وباستثناء رسائل فضيلة الشيخ محمد أمين مرداد قاضي محكمة الاستئناف في مكةالمكرمة فإنني لا أستطيع الاستفادة من رسائل أصحاب الفضيلة القضاة لأنه الوحيد الذي يسمح لي بذكر اسمه ما يمنح المقال مصداقية أكبر، ومن حسنات الشيخ مرداد أيضا أنه يتخذ موقفا (وسطيا) من المسائل التي تتعلق بسلك القضاء حيث إنه يدافع بحماسة عن المؤسسة القضائية التي ينتمي إليها ولكنه يملك شجاعة الاعتراف بوجود بعض السلبيات والأخطاء التي هي من طبيعة أي عمل بشري. وبخصوص حكاية القاضي المسحور في المدينةالمنورة فإن الشيخ مرداد يرى أن كثرة التندر على هذا القاضي قد تهز صورة القضاة في عيون الناس كما أنها تعد خروجا عن أصول النقاش الموضوعي، وإن كان يوافقني على ضرورة تحرك المؤسسة القضائية لمعالجة هذا الأمر وفتح تحقيق عاجل حفاظا على هيبة القضاء وهي مكفولة لهم بحكم النظام والأعراف. وهنا أود أن أوضح للشيخ مرداد بأن السبب الأساسي في تطور هذا السيناريو هو المؤسسة القضائية نفسها!، فقد ظهرت أولى خيوط هذه القضية حين نشر الزميل النشط خالد الجابري مراسل «عكاظ» في المدينةالمنورة قبل شهرين تقريبا خبر التحقيق مع بعض الموظفين في محكمة المدينةالمنورة ولم يظهر أي تعليق من المجلس الأعلى للقضاء حول هذا الموضوع ، ثم نشرت «عكاظ» خبرا مفصلا لهذه القضية فأصدر المجلس بيانا ينفي فيه توجيه الاتهام، وقد احتوى البيان على إدانة ضمنية للصحافة، ثم نشرت «عكاظ» حكاية القاضي المسحور ففضل المجلس الأعلى للقضاء الصمت المطبق حتى سارت بها الركبان وأصبح التندر على تفاصيلها المضحكة أمرا طبيعيا، وبعد مطالبات ومناشدات صحفية متعددة قرر المجلس فتح ملف التحقيق بهذه القضية!، ثم عاد المجلس مرة أخرى ليؤكد أنه لايحق للصحافة تسريب التحقيقات بحكم القانون في خطوة يراد منها إغلاق باب النقاش حول هذا الموضوع، ثم ظهر معالي وزير العدل ليقول بأن قضية المدينةالمنورة لا تعدو كونها (قيل وقال) بينما التوصيف الحقيقي والموضوعي لهذه القضية بعد الخطوات الأخيرة للمجلس الأعلى للقضاء أنها: (رهن التحقيق) وليست قيل وقال!. بصورة عامة فإن الصحافة لم تتحدث عن هذا القاضي بوصفه قاضيا يحكم بين الناس ولم تعترض أبدا على أحكامه الشرعية بل تحدثت عنه بوصفه متهما خاضعا للتحقيق في قضية فساد كبرى، صحيح أن وظيفته منحت هذه الحكاية أبعادا مثيرة ولكن نفي المجلس الأعلى للقضاء هذه الحكاية ثم تحركه المتأخر للتحقيق هو الذي ألحق ضررا نسبيا بهذه المهنة السامية وليس تندر كتاب الصحافة، وليسمح لي فضيلة الشيخ مرداد أن أعبر له عن رأيي الشخصي الذي يتلخص في شعوري بأنه لو لم تتناول «عكاظ» هذه القضية ولم يتفاعل معها بقية الكتاب في الصحف الأخرى لتم إخفاء ملفات القضية في الأدراج المغلقة! .. وحينها لن يجد الناس المساكين الذين سلبت حقوقهم أمام أعينهم من وسيلة للتعبير سوى ترديد المثل الشعبي: (إذا كان خصمك القاضي من تقاضي؟). [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 211 مسافة ثم الرسالة