جهود دعوية وإنسانية لتوعية الجاليات وتخفيف معاناة الشتاء    أمير الرياض ونائبه يعزيان في وفاة الحماد    أمير الرياض يستقبل سفير فرنسا    «الحياة الفطرية» تطلق 66 كائنًا مهددًا بالانقراض    انخفاض معدلات الجريمة بالمملكة.. والثقة في الأمن 99.77 %    رغم ارتفاع الاحتياطي.. الجنيه المصري يتراجع لمستويات غير مسبوقة    إيداع مليار ريال في حسابات مستفيدي "سكني" لشهر ديسمبر    العمل الحر.. يعزِّز الاقتصاد الوطني ويحفّز نمو سوق العمل    نائب أمير تبوك يطلق حملة نثر البذور في مراعي المنطقة    NHC تنفذ عقود بيع ب 82 % في وجهة خيالا بجدة    العمل الحرّ.. يعزز الاقتصاد الوطني ويحفّز نمو سوق العمل    الاحتلال يكثّف هجماته على مستشفيات شمال غزة    تهديد بالقنابل لتأجيل الامتحانات في الهند    إطلاق ChatGPT في تطبيق واتساب    هل هز «سناب شات» عرش شعبية «X» ؟    المملكة تدعم أمن واستقرار سورية    "أطباء بلا حدود": الوضع في السودان صعب للغاية    حرب غزة:77 مدرسة دمرت بشكل كامل واستشهاد 619 معلماً    السعودية واليمن.. «الفوز ولا غيره»    إعلان استضافة السعودية «خليجي 27».. غداً    رينارد: سنتجاوز الأيام الصعبة    اتركوا النقد وادعموا المنتخب    أخضر رفع الأثقال يواصل تألقه في البطولة الآسيوية    القيادة تهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي    غارسيا: العصبية سبب خسارتنا    القيادة تهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    رئيس بلدية خميس مشيط: نقوم بصيانة ومعالجة أي ملاحظات على «جسر النعمان» بشكل فوري    الأمير سعود بن نهار يلتقي مدير تعليم الطائف ويدشن المتطوع الصغير    وافق على الإستراتيجية التحولية لمعهد الإدارة.. مجلس الوزراء: تعديل تنظيم هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية    مجلس الوزراء يقر الإستراتيجية التحولية لمعهد الإدارة العامة    الراجحي يدشّن «تمكين» الشرقية    تقنية الواقع الافتراضي تجذب زوار جناح الإمارة في معرض وزارة الداخلية    لغتنا الجميلة وتحديات المستقبل    أترك مسافة كافية بينك وبين البشر    مع الشاعر الأديب د. عبدالله باشراحيل في أعماله الكاملة    عبد العزيز بن سعود يكرّم الفائزين بجوائز مهرجان الملك عبد العزيز للصقور    تزامناً مع دخول فصل الشتاء.. «عكاظ» ترصد صناعة الخيام    وزير الداخلية يكرم الفائزين بجوائز مهرجان الصقور 2024م    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    زوجان من البوسنة يُبشَّران بزيارة الحرمين    القهوة والشاي يقللان خطر الإصابة بسرطان الرأس والعنق    القراءة للجنين    5 علامات تشير إلى «ارتباط قلق» لدى طفلك    طريقة عمل سنو مان كوكيز    الموافقة على نشر البيانات في الصحة    جامعة ريادة الأعمال.. وسوق العمل!    نقاط على طرق السماء    الدوري قاهرهم    «عزوة» الحي !    أخطاء ألمانيا في مواجهة الإرهاب اليميني    المدينة المنورة: القبض على مقيم لترويجه مادة الميثامفيتامين المخدر (الشبو)    استعراض خطط رفع الجاهزية والخطط التشغيلية لحج 1446    عبد المطلب    "الداخلية" تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    سيكلوجية السماح    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    «الحياة الفطرية» تطلق 66 كائناً فطرياً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعرضت للسخرية وأصبت بخيبة أمل وتحملت وزر أخطاء لم أرتكبها
لم أحجب موقعاً سياسياً أو دينياً .. د. صالح العذل الرئيس السابق لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ل «عكاظ» :
نشر في عكاظ يوم 29 - 10 - 2010

لم يترك الدكتور صالح العذل الرئيس السابق لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا وواضع اللبنة الأولى في جدار تأسيسها مجالا للاجتهاد خارج دائرة المنطق لكل المتأولين. أعلن بشفافية أنه تحمل هجوم الآخرين على أخطاء لم يرتكبها وليست من مسؤولية المدينة، وكشف النقاب عن مواقف غير مسؤولة لأفراد ومسؤولين شكلت عنصر إحباط لجهود العاملين ومبادراتهم. وقال بأن المركزية الشديدة والبيروقراطية الحكومية في الرقابة المالية والإدارية عرقلت أعمال البحث العلمي في المدينة وأبطأت من مخرجاتها. وعزا أسباب تأخر الاستراتيجية الوطنية للتقنية عن موعدها لغياب التناغم بين وزارة التخطيط الجهة المشرفة على الخطة وبين المدينة. العذل عبر عن سعادته بقرار التقاعد من العمل الحكومي وقناعته بما قدم، وأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان. ودافع عن موقفه الأخلاقي النابع من غيرته على دينه تجاه قضية إقفال المواقع الإباحية والتي تبناها شخصيا مؤكدا في الوقت نفسه براءته من حجب المواقع الدينية والسياسية التي ألصقت به .. حوار فيه إشارات وتفاصيل ومواقف بين ذكريات الأمس وحقائق اليوم، بدأه ضيفنا قائلا: عشت في أسرة مستورة في مدينة الرس التي كان مجرد الحديث عن كروية الأرض فيها محظوراً. فقد تحول سؤال في اختبار مادة الجغرافيا في المرحلة المتوسطة إلى حدث كارثي عندما عجز أحد الطلاب عن حل السؤال جاء بما لم تستطعه الأوائل، فقام الطالب بتسليم ورقته بيضاء من غير سوء وخرج من قاعة الاختبار لنفاجأ بعد ربع ساعة برجال هيئة الأمر بالمعروف يداهمون الفصل ويطلبون إلغاء السؤال لأنه يتعارض مع الدين فألغي السؤال من الاختبار والحمد لله، لكن هذا لم يمنعني من البحث عن تخصص نادر في تلك الفترة اسمه الهندسة الميكانيكية.. في السنة الثانية الابتدائية كنت أعجز عن طلب دفتر المدرسة الذي يكلف نصف ريال فكنت أوعز للمدرس بأن يقوم بهذه المهمة فيطلبه من والدي.. مازلت أتذكر أول صدمة دراسية لي عندما درسنا في الصف السادس الابتدائي لأول مرة كتاب (الصحة العامة) والمكون من ثلاث صفحات فقط عن تغطية الأطعمة وكيفية التعامل مع البعوض وفوجئنا برسوب 25 طالبا من 26 في المادة لأننا حفظنا الكتاب غيبا وكتبناه بصورة متشابهة واضطررنا لإعادة المادة في الدور الثاني فنجحنا جميعا.. خرجت من الثانوية العامة ثالثا على المملكة ورغبت في دراسة الهندسة الميكانيكية في ألمانيا لأكون مع زملائي الذين سيبتعثون لدراسة الطب هناك فذهبنا لنعرف نتائج الترشيح إلى مكتب مدير الابتعاث آنذاك الشيخ سعد الحصين وانتظرنا في مكتبه على أمل أن نعرف نتائج الترشيح وطال بنا الانتظار حتى خرج الشيخ الحصين من مكتبه لحضور اجتماع مع الوزير فدخلنا خلسة وبحثنا عن أوراق الترشيح فصدمت بأنهم رشحوني لدراسة هندسة البترول في الولايات المتحدة الأمريكية فأسررت الأمر في نفسي إلى أن أعلنت النتائج فتقدمت باعتراض لدى محمد الفريح مدير عام الوزارة وعرضت عليه رغبتي وأنني حققت كل متطلبات الابتعاث لدراسة الهندسة الميكانيكية لكنه أجابني بطريقة (يا تروح أو توكل على الله) فلم أجد مفرا من القبول بالوضع، وعندما ذهبت إلى الولايات المتحدة لم أدرس إلا الهندسة الميكانيكية وظللت لمدة سنتين ثم عدت إلى المملكة في أول زيارة على ضوء النظام المتبع في تلك الفترة وذهبت للقاء الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ في مكتبه في الوزارة. شرحت له رغبتي في تصحيح الوضع فطلب مني إحضار شهادة من أساتذة القسم وفعلا كانت تزكيتهم لي رائعة فأرسلتها للوزارة فجاءني الرد بالرفض بعد أن استكملت السنة الثالثة. وشاء الله أن يأتي في الصيف عبدالوهاب عبد الواسع وكيل الوزارة لتفقد أحوال الطلاب فقابلته في تكساس وشرحت له وضعي فقال لي: كمل ولا عليك من أحد، فالبلد بحاجة لك ولأمثالك. فحلت مشكلتي بموقف رجل وكان يمكن أن تنسفها مادة في نظام، فعدت معيدا ثم عميدا لكلية الهندسة وتدرجت في المناصب حتى تقاعدت رئيسا لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية والحمد لله.
• يقال إنك كنت تجامل أفراد أسرتك على حساب الآخرين عندما كنت عميدا لكلية الهندسة؟
- أتذكر أنني وقفت موقفا حادا من موضوع الواسطة خصوصا في دخول الطلاب للكليات العلمية التي تتطلب معايير محددة وحدث أن تقدم أحد الطلاب للالتحاق بكلية الهندسة ولكن معدله ضعيف لايسمح له بدخول الكليات العلمية فما بالك بكلية الهندسة، فاستعان بعمي (رحمه الله) ليتوسط عندي لكنني رفضت وأوضحت له أنه لا يملك الدرجات التي تؤهله للالتحاق بالكلية ولا أستطيع قبوله، ولكن إذا أردت أن تجامله فيمكن أن تأتي له باستثناء من ولي الأمر، فذهب عمي للملك فهد (رحمه الله) (ولي العهد آنذاك) وشرح له الوضع، فقال له الملك فهد وكان يعلم أنني عميد كلية الهندسة: تسألني وعندك ولد أخوك، فقال له عمي إنني رفضت قبوله لعدم انطباق المعايير عليه، وهنا توقف رحمه الله وقال لعمي: إذن ابن أخوك رفض كسر النظام تبغاني أنا أكسره، فرفض استثناءه. أما ابن عمي الذي تم قبوله فكانت تنقصه درجة واحدة أو أقل ورفضت قبوله إلا باستثناء من الوزير وأنا أعلم أن الأسرة لن ترحمني فأخبرت الوزير الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ بالموقف فقرر قبوله ولم يكن هذا قراري لأحاسب عليه لأنني طبقت عليه أيضا المعايير المطلوبة وقد نجح وأصبح من المتفوقين في الكلية.
• لكنك اختفيت عن الأضواء بعد التقاعد مباشرة، لماذا؟
- كل ميسر لما خلق له وطبيعتي القناعة كنز لا يفنى وأعتقد أنني أعطيت ما يكفي في مجال الهندسة والعمل العلمي والتقني، وأنا أعمل الآن مع أحد أبناء عمومتي في مؤسسته الخاصة لأنني لا أملك مقومات الجلد والصبر على إدارة عمل خاص بي وسعيد بحياتي مع الأولاد والأحفاد.
• هل خرجت راضيا عن نفسك بالرغم من حالة السخط التي ظلت كالسيف المعلق على رقبة رئيس المدينة؟
- الحمد لله أنني خرجت راضيا عما قدمت، والإنسان تحدث منه هفوات وأخطاء ولكن بالمجمل العام عندما نقارن بين ما كنا فيه في العمارة المستأجرة في شارع المطار وتحولها الآن إلى مدينة ذات معامل ومختبرات وبحوث فلاشك أن لنا دورا في وصولها إلى هذا المستوى. وأنا أعتقد أن الإنسان يجب أن يسأل نفسه إن كان قصر في عمله أمام الله عزوجل أم لا، أما الآمال والطموحات فكثيرة وأنا عندي فلسفة كنت أقول دائما عندما أتعامل مع الهيئات إن الوصول إلى القمة يستدعي بعد ذلك النزول، ومهما نصل إلى شيء فلابد أن يكون هناك ما لم نصل إليه، ولو كل إنسان وصل لما يريد فماذا سيفعل من يأتي من بعدنا.
• لكن رغم ذلك بقي العمل العلمي نخبويا في مجتمعنا، فهل هو تقصير المدينة في التعريف بنفسها أم العكس؟
- مشكلة العمل البحثي دائما أنه استكشاف للمجهول فلا ضامن بما سيحدث مستقبلا في مجال البحوث ويحتاج لطول نفس حتى بالنسبة للدول التي سبقتنا في هذا المجال، وهو الدور الذي اضطلعت به المدينة سواء كانت هذه البحوث علمية أو مبتكرة لخدمة المجتمع في مختلف المجالات. وقد تستثمر في 20 بحثا في آن واحد فلا تصل إلى نتائج إلا في بحث واحد ولكنها نتائج تغطي على البحوث الأخرى، فالصبر مبدأ أساسي في الأمر وينبغي حتى على المسؤولين في الجهات الرقابية والتنفيذية أن يتحلوا بنفس الدرجة من الصبر ولا يمكن أن ننظر له كمشروع خدمي يتم الإحساس به من قبل الناس بعد انتهاء تنفيذه في فترة زمنية معينة وهذه من المشاكل التي واجهناها.
• هذا يستدعيني لأسأل عن دور البيروقراطية في عرقلة عمل المدينة؟
- لا أقول إنها غير موجودة فقد لمسناها، وتحدث أحيانا من دون قصد لأن هذه طبيعتها، لكنها لم تعرقل العمل، وإنما أبطأت الوصول إلى نتائج معينة في بعض الأحيان، كأن تصرف على مشروع بحثي لمدة سنة ثم يأتيك ديوان المراقبة كمسؤول عن الأموال العامة ليسأل عما صرف وما لم يصرف، وهل كانت سلفة أم لا؟. فهذه طبيعة عمله، ولكن هذا الأسلوب لا يتناسب مع البحث العلمي ولا ينطبق عليه، وأثناء النقاش مع المسؤولين هناك قناعة بطبيعة البحث العلمي، ولكن لا تتصور موظفا عاديا في ديوان المراقبة العامة سيفهم هذه المعادلة سواء قامت بالبحوث المدينة أوالجامعة أو أي جهة أخرى.
• وأين دور القطاع الخاص في دعم العمل العلمي ضمن الشراكة الحكومية؟
- التعاون مع القطاع الخاص موجود لكنه محدود، وللأسف أننا لم نستثمر هذا القطاع في فترة الطفرة فنعوده على الصرف على البحوث العلمية من أرباحه الكثيرة والهائلة في ذلك الوقت، ومن ثم يصبح استقطاعه أمرا طبيعيا من ميزانية أي قطاع لو حدث تقلص بعد ذلك لأنه سيصبح جزءا ثابتا من برامجهم، ولا أخفيك أننا رغبنا في تلك الفترة التحرك نحو هذا الاتجاه فواجهنا نظرة مختلفة ورفضا من بعض المسؤولين بحجة أننا لسنا بحاجة للقطاع الخاص لأن الحكومة لديها خير كثير، وأذكر أنني حاولت في تلك الفترة السير في هذا الاتجاه فلم أفلح وأصبت بخيبة أمل وضاعت الفرصة فخسرنا موقفهم ومن ثم أصبح من الصعب الاتكاء عليهم عندما ضاقت الظروف، مع أن الكثير من الإخوة في القطاع الخاص لديهم الرغبة في التعاون لوعمل تنظيم معين لذلك.
• لكن الكل مازال يشعر بوجود مساحة فراغ بين المدينة والمجتمع؟
- بالطبع أنا لا أبرئ نفسي من هذا الواقع، ونظرتي قد تكون خاطئة وقد تختلف من شخص لآخر، بأن هناك خيطا رفيعا بين الأمور العلمية والتقنية والدعاية والإعلان والإعلام أيضا تجعل الإنسان يتخوف وينكمش عن الزج بالأمور العلمية خصوصا من بعض الممارسات الصحافية في معظم الحالات، وكمثال فالسؤال عن جديد المدينة بحثا عن الإثارة الصحافية ظل يطرح علي دائما من الصحافيين، وهم لا يعلمون أن البرنامج الذي بدأ العام الماضي يحتاج إلى ثلاث أو أربع سنوات ليعطي نتيجة، فهم لايتفهمون هذا الأمر، ثم يحاسبونك على ذلك أيضا.
• كنت تخاف من المحاسبة الإعلامية؟
- إطلاقا، وإنما كنت أتحسس من ردود الفعل الخاطئة تجاه أعمال المدينة، وكمثال فقد تعاونا مع شركة الإلكترونيات المتقدمة إحدى برامج التوازن الاقتصادي، فقام معهد بحوث الفلك بعمل برمجة لأوقات الصلاة ودخولها وصممت ساعة تعمل على إحداثيات الكرة الأرضية في أي مكان في العالم ووضعت في المساجد، فخرج علينا من يقول: وما هو الجديد الذي تقدمونه عن الساعات الموجودة في المساجد أصلا. وتناسوا أننا صممنا البرمجة واللوائح الإلكترونية وأنتجناها في المدينة الصناعية وأن هذا العمل ثمرة تعاون بين كل أطراف العمل.
• شعرتم بالإحباط؟
- بل أكثر من ذلك وأضرب لك مثالا مؤلما عندما عملنا برنامج الأقمار الصناعية وتم تركيب قطع وهيكل القمرين الصناعيين (1و2) بنجاح ووافقت المقاسات المطلوبة لوضعها على الصاروخ الروسي على عكس ما حدث مع أقمار إيطاليا وماليزيا مع أن هذه القطع بما فيها الهيكل صممت في الورش الصناعية، وبعد أن تم الإطلاق خرجت علينا فئة معينة من المسؤولين يسخرون من فكرة القمر، ويقولون لنا: يعني أنتم تبغون تنافسون أمريكا! ونسوا الفكرة الأهم في التعامل مع التقنية وتصنيعها والتحكم فيها، فالقمر الذي أطلقناه كان مطلقا بحيث يدور حول الأرض ويستخدم لهواة التلفونات وكانت شركة أرامكو تعمل من خلال محطات جمع المعلومات في الربع الخالي بإرسال فرق ميدانية كل أسبوعين إلى المحطات لتجميع المعلومات، فإلاخوة في المدينة بعد إطلاق القمر السعودي عملوا برمجة بتركيب أجهزة صغيرة في هذه المواقع بحيث يستلمها القمر كلما مر على هذه المواقع ويستطيع أن يبثها إلى أي مكان فأحضرنا مسؤولي شركة أرامكو وأريناهم التجربة ميدانيا فطلبوا تعميم التجربة على 360 موقعا وأراحتهم من الأسلوب السابق لجمع المعلومات، وأنا أعتقد أنه لولا أن هذا القمر من تصميمنا لما تمكنا من الاستفادة منه، ثم يأتي بعد ذلك من يبث الإحباط بكلمة (أنتم تجمعون القطع فقط).
• هل أثر هؤلاء البعض على عمل المدينة؟
- لا أعتقد لأنه ينبغي ذكر الإيجابيات قبل السلبيات فاعتماد المقام السامي للخطة الوطنية للعلوم والتقنية على مدى 20 عاما كانت قفزة كبيرة لأنها وضعت معدل الإنفاق القومي على التقنية في بلادنا يصل إلى نسبة 2 % أي على بعد خطوة من الدول المتقدمة في هذه المجالات التي تصل فيها نسبة الإنفاق من 2 إلى 4 % من الدخل القومي فيما النسبة في كل الدول العربية لا تصل إلى واحد من عشرة في المائة، فهذه نقلة تاريخية وعلينا أن نكون واقعيين حتى في المناقشة والتدقيق بين ما يعطى وما أنجز ليكون حكمنا على الأمور عادلا أو أقرب إلى الواقع.
• خرجت من المدينة ولم يتوقف النقد حول بطء المدينة التي كلفت بنقل التقنية إلى القطاعات الحكومية؟
- لا أخفي عليك أن الخطة الوطنية للعلوم والتقنية أخذت مدة أطول لكن أهم شيء فيها أن الجهة المسؤولة عن الخطة ليست المدينة وإنما وزارة التخطيط وفي قطاعات معينة كانت تحتاج إلى الدعم، ومن المهم القول إنه كان ينبغي أن يكون هناك تناغم بين فرق العمل من الطرفين لكن هذا الأمر استغرق فترة، ثم إنه لا يمكن عمل خطة وطنية دون إشراك الجهات المعنية بها، فتمت الاستعانة بخبراء سعوديين وأعضاء مجلس الشورى ووزراء ومواطنين وكذلك القطاع الخاص في كل مرحلة من الخطة.
• وأين دور الجامعات التي وصفتها بالمدارس الثانوية لغياب البحث العلمي عنها؟
- المدينة أدارت عجلة البحث العلمي في بداياتها من خلال الجامعات فدعمت البحث العلمي فيها وسهلت مهمة الأساتذة وأمدتهم بما يحتاجون إليه، وخصصت ميزانية لأبحاثهم .. وهذا جعل الجامعة والباحثين يشعرون بأن المدينة مصدر مهم ورافد قوي لأبحاثهم. وهذا التعاون أنشأ علاقة متينة بين الجامعة والمدينة كانت نتائجها إيجابية، وفي تلك الفترة لم يكن عدد الجامعات كما هو عليه الآن، وجزء من سياسة المدينة عندما عملت أن تكون لدينا مراكز تميز في الجامعات وتم التنسيق على أن يكون لكل جامعة دور ريادي في حقل معين، والحقيقة أنني لا أعلم عن الوضع الآن لكنني أعتقد أن وزارة التعليم العالي تواجه مشكلة في عدد الجامعات حاليا وتجهيزها لهذا الدور الكبير.
• هل أثر عدم الاستقلال المالي والإداري على دور الجامعات كما يردد الكثيرون؟
- دون شك، ولذلك تجد أن خادم الحرمين الشريفين (حفظه الله) وفر الاستقلالية المالية والإدارية لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية لتكون انطلاقتها سليمة، وأنا أعتقد أننا يجب أن نكون منطقيين وواقعين فنعطي الاستقلالية المالية والإدارية للجامعات ونضع الأجهزة الرقابية التي تضمن عدم استغلال هذا الأمر بشكل سيئ.
• هل صحيح أنكم تلقيتم هبات وصدقات؟
- المفروض أن لا تعتمد المدينة 100 % على الدعم الحكومي. صحيح أن لدينا مشاريع على المستوى العام للبلد لا يقدم عليها القطاع الخاص وتحتاج إلى دعم حكومي لكن أيضا هناك تكاليف يمكن توفير غطاء مالي لها من خلال القطاع الخاص وإشراكه في العملية البحثية ولو بنسبة 30 إلى 70% من الدعم الحكومي، وكنا في فترة من الفترات على استعداد لتحمل تكاليف فوق طاقتنا لجذب هذا القطاع إلى مجال دعم البحوث العلمية لكن وقف التنظيم المطبق في الدولة بدخول أي إيراد لجهة حكومية إلى الصندوق العام عقبة في هذا الأمر فالحافز بالنسبة للمدينة لم يكن موجودا.
• ألم تطرح فكرة الخصخصة؟
- ومن الذي سيقوم بالبحوث الأساسية التي تهم المواطن؟.. لن تجد شركة واحدة تجازف بلا مردود في هذه المسائل التي تدعمها الحكومة، فالشاهد أن المزاوجة بين الحكومة والقطاع الخاص تتطلب إعادة النظر لدفع جهود المدينة نحو أفاق أفضل.
• لماذا لم يستقل معهد بحوث الفضاء في عمله بعيدا عن البيروقراطية؟
- المشكلة أن أي عمل مستقل يعني زيادة الأعباء والتكاليف والعمل في الفضاء لا يعني أن كل البحوث تتعلق بالفضاء، والفكرة درست من قبل فوجدنا أنه من الأفضل بقاء المعهد على الوضع الحالي لتخصصه في البحوث فقط ولعدم وجود نشاطات ذات جدوى اقتصادية يمكن الاستفادة منها.
• كيف نفهم التناقض بين وصفك الرقابة على الإنترنت بالأمر المحمود ودعوتك لتوفير جهاز حاسب لكل إنسان؟
- عندما أدخلت خدمة الإنترنت للمملكة أوكل لنا في المدينة كجهة تنفيذية مسؤوليتها، فالنواحي الرقابية في البداية خصوصا على المواقع الإباحية والمروجة للمخدرات وغيرها كانت مسؤوليتي الخاصة وأنا أعتقد أنني مسؤول أمام الله عن هذا الأمر، ولن أعتذر لأي شخص عن إقفال المواقع الإباحية والمخدرات ولواستمررت مسؤولا فسأقفلها إلى أن أموت ولا أحتاج إلى تعميد من أحد عن هذا الأمر. أما المواقع السياسية والدينية فلم تكن من مسؤوليتي. وقد تابعنا تطور خدمة الإنترنت من البداية ولذلك حجزنا نطاق المملكة (sa) من البداية خوفا من وجود جهات مشابهة مثل جنوب أفريقيا، وعندما بدأت العملية بدأت المعارضة الشديدة من جهات عديدة في المجتمع تخوفا من دخول أفكار منحرفة وإباحية وهدامة للمجتمع وفي المقابل كانت هناك فوائد علمية كبيرة يستفاد منها، ولذلك أتذكر أن اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله عندما كان وليا للعهد بالضوابط الرقابية وكيفية التحكم فيها كبير، وأتذكر أننا عرضنا عليه (حفظه الله) بعد منتصف ليل أحد الأيام بشكل عملي كيفية أداء أجهزة المدينة لهذه المهمة.
• بمعنى أنك اتخذت قرار إقفال بعض المواقع على الرغم من قناعتك بها؟
- قد يكون لي وجهة نظر مغايرة في بعض المواقع السياسية والدينية وأرى من جانبي أنها مفيدة ولكنني أقفلها لأنني جهة تنفيذية فقط ولست صاحب قرار فيها.
• كيف كانت ردة فعلك عندما منحتكم منظمة (مراسلون بلا حدود) جائزة الرقابة الأولى عالميا؟
- لا يهمني شيء من هذه الجائزة لأنني مسؤول أمام الله أولا ثم أمام ولي الأمر.
• لكنكم أضررتم بالمتصفحين الذين يبحثون عن المعلومة العلمية والبحثية أيضا؟
- إطلاقا لم نضر أحدا في هذا الاتجاه، وأنا أعتقد أن وضع التشريع لا يعني أننا قادرون على منع كل شيء.
• حجبتم المدونات الشخصية وخدمة غوغل في وقت من الأوقات؟
- لم نحجب شيئا من المدينة إطلاقا، ودائما ما نظلم ونتحمل تبعات ما لم نقم به.
• قيل إنكم وقفتم موقفا غير محايد في الصراع الحاد الذي دار بين الليبراليين والإسلاميين؟
- ليس صحيحا، وأقولها وأنا صادق في ما أقول لم تكن لي ولا لأي موظف في المدينة صلاحيات أوحق بأن نقول هذا يحجب وهذا لايحجب، ولم أقف مطلقا لا مع اليمين ولا مع اليسار.
• هل شعرت أن المظلة الرقابية كانت مريحة لعملك في المدينة؟
- لم تؤثر علينا بأي شكل من الأشكال.
• لكن قدرتكم الرقابية ظلت مخترقة دائما؟
- قمنا بدورنا من خلال البرنامج الرئيس الذي يحجب المواقع الإباحية والمخدرات حسب الكلمات، وأنا لا أقول بأننا كنا نستطيع مراقبة كل شيء فالاختراقات تحدث وليست مسؤوليتي متابعة الأشخاص ومطاردتهم.
• وكيف ترى الوضع حاليا بعد ثلاث سنوات من ترجلك عن المسؤولية؟
- لم يتغير شيء أكثر من انتقال مسؤولية الإنترنت من المدينة إلى هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، وأنا أرى أننا كنا نتحمل ونحمل أشياء أكثر مما تتحمله طاقتنا وقدراتنا.
• هل كان لكم دور في وضع نظام مكافحة جرائم المعلوماتية؟
- ساهمنا فيه برؤى فنية بحتة وشرح بعض المفاهيم للجهات ذات العلاقة التي قامت على وضعه.
• لماذا فشل مشروع وضع نظام عربي للرقابة على الإنترنت؟
- لأن لكل بلد مفاهيمه ووجهة نظره المتعلقة بنظامه السياسي تجاه كثير من الأمور ولم تكن هناك نقطة اتفاق حتى في وضع الضوابط الأخلاقية، ومادام الشيء بالشيء يذكر فللأسف أننا اختلفنا حتى في موضوع تعريب المصطلحات العامة وكمثال فقد اختلف المجمع المصري مع المجمع السوري في تعريب كلمتي (ست وقروب) في الرياضيات، فقال المجمع اللغوي المصري إن ست معناها: فئة بينما قال السوريون: مجموعة، أما (قروب) فقال المصريون إنها: مجموعة، فيما قال السوريون إنها: زمرة. وقس على ذلك، فالمضحك أن لدينا لغة عربية واحدة ومجامع لغوية متعددة في أكثر من بلد مع أن المسألة ليست سياسة، وتتعجب أن اللغتين الفرنسية والإنجليزية لكل منهما مجمع لغوي واحد في العالم.
• تبنيتم إصدار المجلد الأول من علم (التعمية والتشفير) لمؤلفيه الكندي وابن الدردير وصنعتم منه حدثا نادرا مما جعلكم محل تندر لتركيزكم على الفكر الرقابي حتى في أبحاثكم العلمية؟
- موضوع التشفير مهم جدا، وأنا أعتقد أن التراث العربي يجب أن يبرز في جميع الفنون فقد نشرنا كتبا محققة في أمراض العيون ولكن لم يتكلم عنها أحد، وعندما وافق موضوع التشفير رغبة البعض في انتقاد المدينة بنى على ذلك، مع أن هذا الموضوع تم بالتنسيق مع مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث ومجال لنا فيه سبق ونستطيع من خلاله أن نتحكم بما نصنع ولا يخفى على أحد أهمية الإصدار الذي قامت به المدينة والذي أشير إليه في أكثر من مرجع غربي.
• لماذا غاب دورك الأكاديمي في جامعاتنا مع أن بعض كتبك المترجمة تدرس في جامعات خارجية؟
- ترجمت بعض الكتب لعدد من الجامعات، ومنها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ولكن تبقى عملية طباعة الكتب العلمية مكلفة بلا مردود، بالمقارنة بكتب التاريخ والشعر والأدب، وهذه طبيعة الأمور في المجتمع.
• بعيدا عن صخب الرقابة والدراسات العلمية، المعروف أنك هلالي الميول مثل كثير من أفراد أسرة العذل، لماذا؟
- بكل بساطة لأنني أريد لأبنائي أن يعيشوا سعداء، لكن الفرق بيني وجماهير الهلال أنني أشجع الهلال وجميع الفرق السعودية دون استثناء إذا لعبت خارجيا كواجب وطني بعيدا عن التعصب والتشنج الذي أرفضه ولا أحبه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.