تبدأ الشعوب بالانحدار عندما يغيب (العدل)، وتبدأ الحضارات بالأفول عندما يغيب (العدل)، ويبدأ الازدهار بالذبول عندما يغيب (العدل).. ولا يغيب العدل إلا عندما ينجح كل مسؤول في تبرير أخطائه، وكل مجرم بالإفلات من عقوبته وكل صاحب نفوذ بالنجاة من سوء جريرته.. فبغياب العدل يغيب الاستقرار النفسي للشعوب، وبغياب العدل يغيب الأمن الاجتماعي للأفراد، وبغياب العدل تغيب اللحمة الوطنية، فيتراجع بسبب ذلك الإنتاج، ويختفي بعد ذلك الإبداع، ويتوقف تبعا لذلك العطاء.. ثم سينهار الاقتصاد حتما، وستنهار التنمية جزما، وسينهار كل شيء قطعا، ثم سيتحول المجتمع إلى غابة من المفترسين ينهش بعضهم بعضا وتبدأ الكارثة لتهوي بهم في مكان سحيق. يؤكد ابن خلدون أن العدل هو أساس العمران الاقتصادي ومفتاح التنمية لأنه بالعدل تحفظ العمارة وبالظلم تختل، وأن الظلم في الدول له صور شتى كوضع الضياع في أيدي الخاصة والعدوان على الناس في أموالهم، لذلك فهو ينصح بنزع الظلم عن الناس كي لا تخرب الأمصار وتكسد أسواق العمران وتقفر الديار، خاصة أن المولى قد أشار في غير موضع إلى تحريم الظلم.. ويقول ابن خلدون أيضا إن الخراب سيقع تدريجيا بسبب الظلم عندما يحدث التالي: 1 التعلل بذرائع غير مشروعة كالضرائب والوظائف الباطلة. 2 تسخير الرعايا بأعمال واغتصاب قيمة أعمالهم. 3 التسلط على الناس في شراء ما بأيديهم بثمن بخس. ويقول كذلك إن الخراب سيقع دفعة واحدة بسبب الظلم عندما يحدث التالي: 1 أخذ أموال الناس مجانا. 2 العدوان عليهم في الحرمات والدماء.. أما عن المدد الزمنية التي تستغرقها الدول حتى تظهر آثار الظلم والخراب فيها فإنه يقول بأنها تتوقف على حسب كبر وصغر حجم المصر أو البلد. نعم وبلا شك يا عزيزي ابن خلدون أنه عندما ينجح كل مسؤول في عالمنا العربي والإسلامي في تبرير أخطائه والتهرب من مسؤولياته ويحاول الإفلات من عقوبته ستبدأ عندئذ مصيبة الشعوب وكارثة الأمم ويبدأ كل شيء يسير نحو الهاوية.. ولكن في نهاية هذا المقال القصير هل تعلمون من هو المعلم الأول الذي ابتدع هذه الحيلة وحاول أن يتهرب من مسؤولياته وأخطائه؟؟ إن أول من فعل ذلك وحاول أن يتهرب من تبعات أفعاله وتعليق أخطائه على غيره هو (إبليس) .. نعم إبليس الذي اختار أن يعصى ربه بمطلق إرادته وبكامل حريته وبمحض اختياره، ولكنه رغم ذلك تجرأ على رب العزة والجلال وقال له «فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم» .. لقد ادعى إبليس بأن الله هو الذي أغواه وأن الله هو الذي أضله فقط من أجل أن يخدع نفسه ولكي يتهرب من مسؤولياته، وحاشا لله أن يغويه وحاشا لله أن يضله عدوانا وظلما ولكنه هو الذي أغوى نفسه بنفسه وعبد غروره بإرادته وأتخذ هواه إله.. وللأسف أن الكثير اليوم يسيرون على نهج معلمهم الأكبر في تبرير أخطائهم ومحاولة التهرب من تحمل مسؤولياتهم. maanaljarba@ hotmail.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 273 مسافة ثم الرسالة.