مازال التفكير العربي يميل إلى الفردية التي تتمثل في الشخص ذاته، أو في شكل القبيلة باعتبارها تعبيرا عن الذات أو العرق، دون وضع اعتبارات أهم من تلك التوجهات موضع الاهتمام، فليس ثمة مصلحة وطنية أو قومية عليا تتحكم في هذا التفكير الذي تنعكس آثاره السلبية على السلوك العربي بشكل عام. ففي الوقت الذي تحتفل فيه ألمانيا بمرور عشرين عاما على توحيد الألمانيتين في دولة واحدة، وهدم الجدار العازل بينهما، بعد عدة عقود من الانقسام، تطالعنا الأنباء من السودان الشقيق باقتراب تفتيت الوطن إلى دولتين، تحقيقا لمصالح فردية وقبلية، لايدرك الإخوة الداعون إلى الانفصال خطورتها في غمرة الحلم «بدويلة» يتمتع فيها بعض «الزعماء» بمناصب عليا لن تعود بالفائدة إلا عليهم. أمعنت النظر في كلمة المستشارة الألمانية في مناسبة احتفالات ألمانيا بمرور عشرين عاما على توحيد شطري البلاد وسقوط الجدار الذي امتد آلاف الكيلومترات، من ولاية تورنجن في الجنوب حتى بحر البلطيق شمالا، وقد طالبت المستشارة مواطنيها بوقف الجدل الدائر بينهم والانتقادات المتبادلة حول الآثار السلبية للوحدة الألمانية وتكلفتها الاقتصادية وتبعاتها الاجتماعية، كما طالبتهم بالتوقف ولو مؤقتا عن نقد الذات، على الرغم من أن هذا النهج هو سلوك ألماني متعمق فيهم، إذ تعالت الأصوات داخل ألمانيا تنتقد تبعات الوحدة المالية التي أثقلت كاهل الولايات وبلغت ما يقرب من 1400 بليون يورو، نتيجة النهوض بالبنية الأساسية للجزء الشرقي الذي لم يكن على نفس المستوى من التقدم والازدهار الذي كان في الشطر الغربي، ناهيك عن عمليات النزوح السكاني وما سببته من مشكلات اقتصادية واجتماعية. فالمستشارة الألمانية وهي امرأة في نظرنا، يراها بعضنا من ناقصات العقل ترى، ومعها العقلاء، أن تكلفة الوحدة وتبعاتها، مهما كانت، أفضل ألف مرة من سلبيات التفتت والانقسام. هذا الذي أدركته «المرأة» الألمانية، لم يدركه الآخرون حتى الآن ليبينوا وبموضوعية خارج إطار مهاترات الأحزاب والجبهات، فوائد الوضع الراهن بكل سلبياته وأضرار الانقسام المتوقع بما فيه من إيجابيات. هل اختفى العقلاء من على الساحة في شمال وجنوب السودان ؟.. وبات دفاعهم عن مكاسبهم الشخصية والحزبية أهم عندهم من المصلحة الوطنية والقومية. الوضع في السودان الشقيق ينذر بكارثة تلوح في الآفاق، بعد أن أقنع الشمال جنوبه بعدم الجدوى من الاتحاد، وفشل خلال أعوام في تقديم ما يرغب فيه الجنوبيون على التمسك بالجسد الواحد، مع أننا لم نسمع قط عن عضو من أعضاء جسد إنسان، تم بتره، واستمرت فيه الحياة.. وكان من الممكن تلافي هذا البتر، لو وجد الحكماء الذين يحددون الداء ويصفون الدواء. إنها شهوة الحكم عند البعض، وأطماع الثروة عند البعض الآخر، والجهل الذي يعشعش في عقول الجميع، الجهل بفداحة الخطر، وعدم القدرة على تقدير المستقبل.. والكلام هذا ليس موجها للسودان وحده، فأصوات الانفصال باتت تنطلق من اليمن الشقيق، وستتوالى الأصوات في دول أخرى. نحن العرب نقلد الغرب في كل شيء، ونستورد منهم كل شيء، إلا التفكير السليم، والحرص على المصلحة العامة وتقديمها على كل هوى أو غرض ذاتي. دعوتي إلى أهل السودان الشقيق، فلتكن لكم تجارب الآخرين عبرة، وفي الألمان نموذجا، وليحكم العقل قليلا. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 177 مسافة ثم الرسالة