تعاني شواطئ مدينة جدة عروس البحر الأحمر، من تلوث بيئي ومد عمراني، أخفت وراءه المنظر الجمالي الذي كان مصدر جذب للأهالي والزوار، فالطحالب الخضراء والشوائب ومخلفات المنتزهين من أطعمة ومشروبات حولت مياه الشاطئ الأرجواني إلى الرمادي بعد تحوله إلى مكب للنفايات. «عكاظ» زارت كورنيش جدة، لاستطلاع آراء محبي البحر، حيث أكد الجميع تحول الشواطئ من مكان مريح للأعصاب إلى مرتع للمخلفات والنفايات، وطالبوا بسرعة التحرك لمنع التلوث الذي يهدد الثروة البحرية ويفسد الشواطئ. لم يخف يوسف صلاح، استياءه من وجود بعض الطحالب والمصبات التي امتدت إلى البحر، وقال: «هزني الشوق منذ الصباح، لزيارة البحر، لكون الجو صحوا، فاخترت هذه المنطقة أمام ميدان النورس، ولكنني لاحظت اختلاف لون البحر ما بين منطقة وأخرى، وباقترابي من الماء أكثر تبدو المخلفات أكثر» وأضاف: لا أبرئ المتنزهين من الجريمة، فهم يشتركون في تلوث الشواطئ برمي مخلفاتهم إلى البحر أو تركها على الشاطئ، رغم انتشار الحاويات المخصصة للنفايات في كل المواقع وعلى امتداد الكورنيش، ما يودي إلى انتشار الحشرات. اختفت البيئة أما محمد عبدالرحمن، فلا يرى اختفاء المتعة عن الشاطئ أو البحر، وقال: «يأتي المرء إلى البحر بهدف الجلوس أكبر وقت ممكن، وما أجملها إذا كانت عائلية وبصحبة أطفالك، غير أن متعة الجلوس لا تطول بسبب تلوث مياه البحر، أو المباني التي امتدت على طول الشاطئ». صرف صحي في مكان آخر غير بعيد، يقف سعيد الحسن، في المنطقة الساحلية الممتدة من بحيرة الأربعين متأملا الشاطئ، وقال: «نلاحظ أمرا في غاية الخطورة، وأرى أنابيب كبيرة تصب مياه صرف صحي داخل البحيرة، ما يزيد من التلوث الذي تعددت مخاطره وحرمنا من الاستمتاع بالجلوس على شاطئ البحر، وأضاف: انتشار بعض مخلفات الأطعمة والمشروبات التي يتركها بعض المتنزهين، لجهلهم بالمحافظة على البيئة، تزيد الوضع سوءا وتتسبب في الروائح الكريهة. عوامل متعددة من جهته، أكد وكيل شؤون البيئة في الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة سابقا الدكتور أحمد عاشور، أن التلوث البيئي الذي يتعرض له بحر جدة وشواطئه، له مسببات أهمها وأخطرها مخلفات الصرف الصحي والصناعي والتي أدت إلى تلوث شواطئ المحافظة، وحولت لونه إلى البني، وبالتالي أثرت على البيئة البحرية، وأصبحت سواحلها غير صالحة للتنزه أو السباحة أو الصيد وما يصطاد لا يصلح للاستهلاك الآدمي. وقال: هناك منشآت ومراكز تصرف مخلفاتها في البحر بعيدا عن الرقابة، وكذلك المهملات والمخلفات والنفايات الصناعية التي تقذف بها المنطقة الصناعية في البحر، وهذه المواد خطرة جدا على الحياة البحرية. وأشار الدكتور عاشور إلى أن 80 في المائة، من مخلفات السواحل مصدرها جهات حكومية، وأنها وراء تدهور بيئة البحر الأحمر وشواطئه، لأنها لم تلتزم بمعايير المحافظة على البيئة البحرية ولا تعتزم إيجاد معالجة لهذا الوضع، ونتج عنه تشبع مياه البحر بكميات كبيرة من مياه الصرف الذي أصاب الشواطئ وأثر على بيئة البحر. وأضاف أن من العوامل التي أثرت على شواطئ جدة كذلك، التطور والتقنيات والصناعات الحديثة وما ينتج عنها من مخلفات تقذف في مياه البحر، تؤدي مع مرور الزمن إلى تلوث الشواطئ، وبين الدكتور عاشور أن أكثر من 75 في المائة من شواطئ جدة، مملوكة للجهات الحكومية وللأفراد، وعملت عليها منشآت ومبان وهذا اعتداء على جمال ورؤية البحر، فالتملك على البحر يفترض أن لا يتجاوز 10 في المائة. وبناء على ما ذهب إليه الدكتور أحمد عاشور من أن 80 في المائة من الجهات الحكومية وراء تدهور بيئة البحر وشواطئه، يشير مدير الإعلام في الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة حسين القحطاني إلى أن المشكلة الرئيسية تكمن في الجهات الحكومية التي تعطي تراخيص لمشاريع للجهات التي تكون لها تأثيرات على المياه البحرية دون الرجوع إلى الجهات البيئية والحصول على التأهيل البيئي، إذ لم يكن لديها الوعي الكامل بالمشاكل التي تؤثر على البيئة البحرية. واستطرد قائلا: إن هذا الوضع كان في البدايات لكنه تغير كثيرا في الوقت الحالي، حيث إن هناك متابعة على تلك الجهات وأصبحت لديهم التوعية لأهمية المحافظة على البيئة البحرية، مبينا أن هناك اشتراطات بعدم إنشاء أي مشروع على واجهة بحرية إلا بوجود ترخيص من الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة. برامج توعية إلى ذلك، أشارت عضو مجلس إدارة جمعية البيئة السعودية، المتخصصة في التقنية الحيوية للملوثات البيئية الدكتورة ماجدة أبو رأس، إلى أسباب عديدة لتلوث الشواطئ، منها وجود مصبات تفرغ عن طريقها مياه الصرف الصحي في البحر، وقالت: «حسب معلوماتي فإن هذه المياه بعضها قد يكون معادا تدويرها أو أنها خام، وهنا لابد من إيجاد الحلول لإعادة تدوير مياه المجاري، للتخفيف من التلوث، الذي يدمر البيئة البحرية، إضافة إلى المخلفات الصناعية التي تؤثر بشكل كبير في تلويث الشواطئ. وترى الدكتورة أبو رأس، أنه على المستخدمين أو المتنزهين للشواطئ دور كبير في المحافظة على البيئة، إذ يلاحظ عليهم غياب المعرفة البيئية والوعي الكافي بإلقائهم لمخلفات الأطعمة والمشروبات على الشاطئ. طحالب قاتلة من جهته، وصف رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلوم البيئة الدكتور أسعد أبورزيزة، معاناة شواطئ العروس مع التلوث بالمعاناة المزمنة والقائمة رغم تناولها عبر كافة وسائل الإعلام، وقال: «معاناة التلوث الذي يعانيه بحر جدة وشواطئه، سببه مياه المجاري التي تصب في مياه البحر، دون إيجاد معالجة تذكر لهذه المياه، التي تصب من جهة بحيرة الصرف الصحي أو من قبل مشروع تخفيض منسوب المياه الجوفية في جدة، مشيرا إلى أن هناك مناطق تعاني من التلوث ووجود الطحالب بكميات أكبر، ومنها المنطقة الواقعة بالقرب من ميدان النورس التي تعد الأكثر تلوثا بسبب الطحالب القاتلة التي وتغتال الأسماك الصغيرة. وأضاف أبو رزيزة، الأماكن القريبة من البحر مثل بعض المنشآت والشاليهات والفنادق والمساكن والأماكن الترفيهية تقذف بمخلفاتها في البحر، وتكون بذلك مشتركة في هذه المشكلة، وكان عليها معالجة مياه الصرف قبل صبها في البحر. آثار سلبية أوضحت المدير التنفيذي لجمعية البيئة في مركز الأمير ماجد بن عبدالعزيز للتنمية، الكيميائية الدكتورة أمل سعيد النجار، أن تصريف مياه الصرف الصحي والصناعي في المياه الساحلية له آثار سلبية على محطات تحلية المياه الرئيسية، وكذلك في ظهور الطحالب الخضراء في مناطق متعددة وتكرار ظهور ظاهرة للمد الأحمر، وفي نفوق كميات كبيرة من الكائنات البحرية في فترات متفاوتة من السنة، إضافة إلى إصابة بعض الأسماك بالبكتريا التي تهدد الأمن الغذائي، وتراكمات المواد السامة في الأنسجة المختلفة للكائنات البحرية، وتلف نسبة كبيرة من الشعاب المرجانية، فضلا عن انبعاث الروائح الكريهة في بعض المناطق الهامة في المدينة، وعدم صلاحية العديد من الشواطئ لممارسة رياضة الصيد والسباحة والغوص. مواصفات قياسية من جهته أكد ل«عكاظ» مصدر مسؤول في أمانة محافظة جدة، أن الأمانة لا تسمح بضخ أي مياه غير معالجة ولا تتوافق مع المواصفات القياسية في البحر الأحمر، تماشيا مع النظام العام للبيئة الصادر عن الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، وأن عقود النظافة تتضمن توفير خمسة قوارب لتنظيف الشواطئ إلى عمق خمسة أمتار لتنقيتها من الشوائب والطحالب.