أبدأ بالاعتذار لكم على خطأ حسابي ارتكبته في مقال الأسبوع الماضي عن «أبو جلمبو». والخطأ كان متعلقا بعدد الوحدات السكنية المطلوب بناؤها في وطننا خلال الخمس سنوات القادمة. والرقم الصحيح هو وحدة كل دقيقتين تقريبا، ولكنها ذكرت في المقال كوحدتين في الدقيقة الواحدة. وأشكر القراء الكرام الذين نبهوني، فبدون هذا التواصل الذي أعتز به، سأشعر وكأنني جزيرة معزولة عن القراء. وموضوع الجزر يحتوي على العديد من الروائع. تخيل أن أكبر جزيرة في العالم هي «جرين لاند» بين أوروبا وشمال أمريكا، وتعادل مساحتها مساحة المملكة تقريبا بالرغم أن عدد سكانها لا يتعدى ربع سكان شرق الخط السريع في جدة. وعندما تتأمل في خصائص الجزر بشكل عام ستجد الغرائب: المملكة المتحدة التي حكمت العالم وكانت لا تغرب عنها الشمس لا تتعدى مساحتها حوالى عشر مساحة المملكة. أي حوالى 209 ألف كيلومتر مربع. والغريب أن هناك بلدانا بأكملها تتكون من مجموعات من الجزر الضخمة، وأهمها أندونيسيا المكونة من 17508 جزيرة تقريبا. وتحتوي على أربع من أكبر عشر جزر في العالم. والأغرب من ذلك أن هناك بعض المدن المكونة من جزر صغيرة، ومن أشهرها «البندقية» في إيطاليا. وهذه المدينة التي يتم التجول في شوارعها بالزوارق هي عبارة عن 117 جزيرة صغيرة. كانت أشهر المراكز التجارية في أوروبا، ولذا فقد كانت محور إحدى أهم مسرحيات «وليام شكسبير» وهي «تاجر البندقية». وكانت تلك المدينة دولة بأكملها لها حكامها وجيشها ودستورها. وتعتبر من أجمل مدن العالم على الإطلاق. وللأسف أنها أيضا من أغلى مدن العالم وكأنها مصممة للأغنياء فقط، لدرجة أن سكانها الذين يقدر عددهم بحوالى ثلاثمائة ألف نسمة يشكون من عدم قدراتهم لمواجهة جنون الأسعار الساخنة جدا، وكانها «شطة مفلفلة» . وعلى سيرة الشطة، فلابد من ذكر إحدى أشهر جزر الشطة وهي جزيرة «كراكاتوا» في جنوب أندونيسيا. ثار بركان في تلك الجزيرة فغرقت بأكملها عام 1883 وقتل جراء ذلك أكثر من خمسين ألف إنسان، وتركت آثارها على كامل منظومة جزر الشرق الأقصى، من الفلبين إلى اليابان وأستراليا. ومن الجزر الغريبة أيضا جزيرة «اسيتر» في المحيط الهادئ على بعد 3500 كيلو مترا من ساحل جمهورية «شيلي». هذه الجزيرة الصغيرة المعزولة التي تعادل مساحتها مرة ونصف مساحة مطار جدة تحتوى على 887 تمثالا ضخما منحوتا من الصخر، وكلها مرصوصة رصة هندسية «نظيفة» ومستقيمة. والعجيب أنها بنيت من حوالى مائتي سنة، وأن التقنيات المتقدمة التي صنعت التماثيل لم تفلح في إنقاذ سكان الجزيرة من المجاعة. وقد انقرضوا فلم يبق منهم شخص واحد. قامت بينهم معارك ضارية لدرجة أن بعضهم تحولوا إلى آكلي لحوم البشر، فقتلوا، وأكلوا بعضهم بعضا.. وهناك ما هو أهم من كل هذا وهي الجزر بداخلنا، فجميع الغدد في الجسم البشري هي أشبه بالجزر. تبدو لأول وهلة وكأنها معزولة عن بعضها، ولكنها في الواقع تتفاعل وتغير وتتغير بإحدى أروع النظم وسبحان الخالق العظيم. لنقل مثلا أنك سمعت خبرا مخيف..أخبرتك زوجتك أن جوازات سفركم وبطاقة العائلة والبطاقات الشخصية قد فقدت دفعة واحدة.. فالغالب أن مجموعة غدد بداخلك ستبدأ بالعمل فورا فتتصبب عرقا باردا، وربما ستتغير درجة حرارة جسمك بأكملة، وربما بعض الغثيان أيضا، وكل هذه من «رشة» بعض الهرمونات على دمك من منظومة الغدد.. ولننتقل إلى بعد آخر في موضوع الجزر فنجد أن المصابين ببعض الأمراض كالتوحد مثلا يعتبرون جزرا معزولة من العبقرية. تجدهم صغارا وكبارا يتمتعون بمهارات لا يصدقها العقل، وبالرغم من ذلك فهم معزولون عن العالم. تخيل أن بعضهم يستطيع أن يحفظ كتابا بأكمله من أول قراءة. وأتذكر حالة شخص صنف أنه متخلف عقليا. سئل عن عدد الثواني التي يعيشها الفرد إلى سن السبعين و17 يوما و12 ساعة، ففكر لمدة حوالى 90 ثانية ثم أعطى الإجابة الصحيحة وهي : 2210500800 .. فضلا إعادة النظر في كل من نعتبرهم متخلفين ذهنيا لمجرد انطوائهم فقد يكونون من تلك الجزر العبقرية. أمنيتان أتمنى أن لا نعزل المرضى من حياتنا. لا يليق أن نجعلهم كالجزر البعيدة عنا، سواء كانوا مرضى الزهايمر أو التوحد أو غيرهما من الأمراض التي ممكن أن لا يهتم بها المجتمع بشكل كاف ولائق.. وأتمنى أن يدرك العالم أن سلطات الاحتلال في فلسطين لن تفلح في عزل شعب بأكمله بمجرد بنائها الأسوار حول المدن. والله من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة