اطلعت على ما نشر في صحيفة عكاظ في العدد رقم 16100 الصادر في 16/10/1431ه حول تحذير «وزارة الصحة للمستشفيات المتخصصة في علاج مرضى الأورام من أشخاص يزعمون أنهم محتسبون يزورون المرضى ويذكرونهم ترهيبا بالموت، ويشعرونهم بدنو الأجل، ما يؤثر سلبا على الحالة النفسية للمريض ويحبط مفعول العلاج الذي يتلقاه» وكممارس صحي طافت في مخيلتي صور مرضى خدمتهم هناك في ما وراء أعالي البحار أثناء تدريبي العيادي، ومنهم من قضى نحبه ومنهم من لا يزال يتشبث بنعمة الحياة التي كتبها له الله سبحانه. ولقد تذكرت الفارق الذي تصنعه تطبيقات علمين يعنيان برعاية فئات من المرضى يبدو للعقل البشري أنهم شارفوا على الموت، أحدهما مجال من الطب يدعى «طب اللطافة» (palliative medicine) والآخر مجال من مجالات علم النفس العيادي العملي يدعى «علم نفس الصحة» (Health Psychology)، إذ تبين الكثير من الدراسات العلمية الرصينة لهذين المجالين الأثر الإيجابي الكبير الذي يمكن أن يحدث في حياة أفراد هذه الفئة من المرضى نتيجة لتطبيق برامج الرعاية النفسية المنظمة. وينقسم هذا الأثر إلى فئتين عامتين: أثر على جودة حياة المريض، وأثر على سير مرضه واستجابته للعلاج الطبي الدوائي. فالمرضى الذين تتوفر لهم الرعاية المتخصصة التي توفرها برامج هذين العلمين التطبيقيين يصبحون أكثر رضا عن حياتهم، وأكثر أملا في الشفاء، وأكثر التزاما بالنظام الطبي الموضوع لهم، كما أن وظائفهم الجسمية واستجابتهم للعلاج سواء الإشعاعي أو الدوائي تتحسن أكثر منها عند من لا تتوفر لهم مثل هذه الرعاية المتخصصة. وفي ضوء ما تبينه هذه الدراسات والبرامج المنظمة فإن ما يقوم به الأفراد الذين أشار إليهم الخبر السابق يعمل ضد مصلحة هؤلاء المرضى وضد حقهم في عيش ما تبقى لهم من عمر كتبه الله لهم في أفضل صحة ممكنة ورضا بالحياة، إذ إنهم جعلوا من أنفسهم رسلا للموت بدلا من أن يكونوا رسل رجاء رحمة الله التي وسعت كل شيء. وأين هم من وعي أحد أسرار الله سبحانه، ألا وهو الموت؟ وإن كان لهم عذر لجهلهم ولحسن نواياهم، ونحسبها كذلك، فأين هم من استشراف المعاني التي ينطوي عليها قول الرسول الكريم للأشخاص الذين لا يشكون أصلا من المرض «لا تتمارضوا فتمرضوا فتموتوا»، فما بالك بأثر ما يلح به هؤلاء الأفراد على مريض بالسرطان النهائي أو أي مصاب بأحد الأمراض المستعصية وشديدة الخطورة على الحياة؟ وأين فعلهم هذا من بث رجاء رحمة الله وعدم القنوط منها؟ إذ تبين دراسات عدة أن لدرجة الأمل (وهو جانب نفسي) أثره الإيجابي الدال على سير المرض الجسمي، سواء ما كان منه مهددا للحياة أو ما كان مرضا عابرا يشفى منه الإنسان ببعض الأدوية. د. فلاح بن محروت العنزي المشرف العام على وحدة علم النفس العيادي جامعة تبوك