لئن كان التاريخ مديناً لجلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز تغمده الله برحمته بالكثير من الإنجازات الحضارية والتاريخية والتي كان من بينها الحرص على تحديد موقع سوق عكاظ وذلك من خلال انتدابه للأديب محمد بن بليهد باصطحاب الأستاذ عبدالوهاب عزام باشا رحمهما الله ، للقيام بهذه المهمة .. فإن التاريخ سيبقى مديناً لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة باحيائه سوق عكاظ من خلال الاحتفالات التي تمت في العامين الماضيين، ثم المهرجان الكبير الذي يبدأ اليوم الثلاثاء بحفل تنطلق منه فعاليات السوق على امتداد خمسة أيام، حيث يقضي المشاركون هذه الأيام في المشاركة بالندوات واللقاءات التي ستجري خلال زيارة المواقع التاريخية والمناطق الاصطيافية الشهيرة في مدينة الطائف التي كانت في الزمن القديم تشهد من الأحداث والمواقف التي يقول التاريخ عنها وعن عكاظ خاصة: كانت عكاظ معرضاً تجارياً ومنتدى اجتماعياً حافلا بكل أنواع النشاط، وكانت منبراً يبلغ الحاضر الغائب بما أعلن فيها، وما عقد من معاهدات بين القبائل. كما يذكر التاريخ أن القبائل والعشائر تلتقي في سوق عكاظ، فيدير شؤون كل قبيلة شيوخها ورؤساؤها، ويقضى بين الناس إذا تنازعوا قضاة معترف بهم، من أشهرهم أكثم حكيم العرب، وكان يضرب به المثل في النزاهة وحب الخير والحكمة، وعامر بين الظرب من بني عدوان من قيس عيلان، وحاجب بن زرارة، وعبدالمطلب، وأبو طالب، والعلاء بن حارثة من بني قريش، وربيعة حذار بن بني أسد. وقد ساهمت سوق عكاظ كونها ملتقى للشعراء وحاضناً لهم ومنبعا لقرائحهم، ساهمت في إخراج عدد من الأسماء والقصائد الشعرية الكبيرة في تاريخ الأدب العربي، وهناك كانوا يتبايعون ويتعاكظون، ويتفاخرون، ويتحاججون، وتنشد الشعراء ما تجدد لهم، وقد كثر ذلك في أشعارهم كقول حسان: سأنشر إن حييت لهم كلاماً ينشر في المجاميع من عكاظ وممن برز فيها وعلا فيها شأنه النابغة الذبياني، الذي ترأس سوق عكاظ وفي ذلك يقول الأصمعي: كان النابغة يضرب له قبة حمراء من أدم بسوق عكاظ، فتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها. وفيها كان يخطب كل خطيب مصقع، ومنهم قس بن ساعدة الأيادي، إذ خطب خطبته الشهيرة هناك، وهو على جملة الأروق، والتي جاء فيها: «أيها الناس اسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال مرساة، وأرض مدجاة، وأنهار مجراة، إن في السماء لخبراً، وإن في الأرض لعبراً، ما بال الناس يذهبون فلا يرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا، يقسم قس بالله قسماً لا إثم فيه، إن لله ديناً هو أرضى له، وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه، إنكم لتأتون من الأمر منكراً». وفيها علقت القصائد السبع الشهيرة افتخاراً بفصاحتها على من يحضر الموسم من شعراء القبائل إلى غير ذلك، وكان كل شريف إنما يحضر سوق بلده إلا سوق عكاظ، فإنهم كانوا يتوافدون إليها من كل جهة، فكان يأتيها قريش، وهوازن، وسليم، والأحاشيش، وعقيل، والمصطلق، وطوائف من العرب. وها هو اليوم يعد السوق وجهة المشرق وتاريخه التليد وأحياء نشاطه الثقافي والأدبي انطلاقاً من الاهتمام بكل ما من شأنه تطوير الثقافة والارتقاء بها والحفاظ على القيم والمعطيات التي تتمشى مع تعاليمنا الدينية وقيمنا الأصيلة وتثري الحركة الأدبية والثقافية بما يعود بالنفع والفائدة على مواطني هذه البلاد خاصة والعالم العربي قاطبة. وشاركت دارة الملك عبدالعزيز في مهرجان سوق عكاظ الأول بجناح متكامل يضم صوراً فوتغرافية ووثائق ومخطوطات تقدم لمحات مهمة من تاريخ سوق عكاظ والطائف. كما نظمت في العام الماضي في موقع المهرجان في اليوم الأخير من البرنامج الثقافي للمهرجان ندوة عن التاريخ الشفهي تتناول أهمية رصد وتوثيق وكتابة التاريخ الشفهي المحلي بصفته جزءاً مهماً من تاريخ المملكة العربية السعودية ومكملا للمدون منه، وضرورة تفعيل المصدر الشفهي. وهكذا يصدق قول شاعرنا الذي يقول: من هنا شع للحقيقة فجر من قديم ومن هاهنا يتجدد فاكس: 6671094 [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 158 مسافة ثم الرسالة