ثمة إحساس يعتري من يلتقي أمين عام مجلس الوزراء عبد الرحمن بن محمد السدحان بأنه في رحلة، نصفها يشعر به في مكانه، وآخر يطوف به في فضاءات الأماكن التي عاش فيها. ولا يمكن القول إن السدحان كما اعتاد الصحافيون في حواراتهم: فتح قلبه، بل يأخذ من يحاوره بيده ليطوف به في خلايا جسده وذكرياته وتجاربه الإدارية والأدبية.ينفذ الحديث مع أمين مجلس الوزراء مع مسامات الجسد ليكشف عوالم صاغها وعاشها وجعل الناس يشاركونه إياها، حتى غدت تجربته مضرب المثل ومدارا للنقاش بين أروقة الجامعات وأوراق العمل في المؤتمرات. يشبه السدحان إلى حد كبير كتبه وإنتاجه الأدبي، خلافا لما هو سائد أو معروف بأن ما قد يكتب ربما لا يكون بالضرورة صورة من الواقع. «عكاظ» التقت أمين عام مجلس الوزراء، وقلبت معه وجوه حياته اليومية، من منصبه وما يحيط به ودهاليز مجلس الوزراء، وتجربته الحياتية الإنسانية، وانتهت الرحلة عند بوح دون قيادة عن رفيق دربه الراحل الدكتور غازي القصيبي (رحمه الله). تحدث بما لم يقله في الصحافة سابقا بثقة «صادقة» وعفوية «محسوبة».. إلى تفاصيل الحوار: • حدث القارئ عن أمين عام مجلس الوزراء، مهماته والمسؤولية التي يتبوأها؟ يستمد منصب الأمين العام لمجلس الوزراء شرفه وقدره وأهميته من الموقع الذي يخدمه، وهو مجلس الوزراء الموقر، ذلك المركز العصبي لإدارة الوطن، ومن خلاله تمارس الدولة مهماتها خدمة لهذا الوطن. فيه تصنع قرارات تمس سيادته وأمنه وتعليمه وصحته وغذاءه وكل ما يتعلق بحراك حياته، تنظيما وتقنينا، ومتابعة. من هذا المنظور، يكتسب المنصب وشاغله شرف الانتماء إلى هذا الكيان المهم. والأمين العام هو بمثابة «مدير أعمال المجلس»، ينظم هو ورفاق العمل معه جلسات المجلس، ويشرف على التحضير لها تحضيرا طويلا ودقيقا، ثم يعرض جدول أعمالها قراءة عند انعقاد المجلس الموقر، ويبلغ نتائجها في وقت لاحق، لا يتجاوز ظهر يوم الثلاثاء التالي، ما لم يكن هناك موضوع عاجل جدا، فتبلغ نتيجته مساء يوم الاثنين نفسه. • ماذا عن يومك، من أين يبدأ حتى ينطوي، وكيف هو جدولك اليومي في العمل خصوصا؟ يبدأ حراك يوم العمل اليومي في الساعات الأولى من الصباح، يقوده هاجس الأمل في نجاح الأداء والخوف من الخطأ، ومن أبرز مهمات كل يوم عمل يسبق يوم الجلسة هو التحضير المستمر لها، ويتزامن مع ذلك التجهيز المبكر لجلسات الأسابيع التالية، وفق برنامج ممنهج، وتلك عملية ممتعة في إنجازها، مجهدة في تحصيلها، بسبب كثافة الجهود التي تحضر بها الجلسة، بدءا من تحضير جدول أعمال الجلسة، وتوزيعه على أعضاء المجلس في موعد لا يتجاوز يوم الأربعاء السابق ليوم الاثنين، ثم تستكمل خطوات التحضير مع بداية أسبوع الجلسة حتى نهاية دوام يوم الأحد، أما يوم الاثنين «موعد الجلسة» فذاك يوم الحصاد. • كل يوم اثنين يختلف بالنسبة لكم، وهو اليوم الأسبوعي لجلسة مجلس الوزراء، كيف تتهيأون لهذا اليوم، وماذا يجري خلاله؟ يوم الاثنين كما وصفته في الرد السابق، هو يوم الحصاد، ويوم «العرض» لذلك الحصاد، ومن ذلك يكتسب الاثنين أهميته وخصوصيته، ونحسب له كل حساب. والتحضير لحصاد الاثنين يبدأ من يوم الثلاثاء السابق له، مدخلات ومخرجات. وقد لجأت الأمانة العامة أخيرا إلى أسلوب التخطيط «متوسط الأجل» لجلسات مقبلة للمجلس الموقر، فتعد «جداول أعمال» لثلاث أو أربع جلسات مقبلة تتكون من شقين مهمين؛ مشاريع القرارات، والموضوعات العامة «غير المنتهية بقرارات». وتتولى الجهة المختصة في الأمانة، وهي إدارة المستشارين، مهمة الإعداد لمواد عرض تلك الجداول وفق تدرج زمني دقيق، اتباعا لقاعدة؛ أقرب الجلسات أهمها، وقد ألغى هذا الترتيب الجديد «العشوائية» من التحضير، ووزع جهد الموظف المختص على أيام الأسبوع، وما فاض من وقت ينفق في التحضير للجلسة التالية، وهكذا. • ترصدون عن قرب توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للوزراء، خصوصا مع صدور الموازنة وتأكيده على ضرورة خدمة المواطن وإنجاز المشاريع، من موقع أقرب وأكثر إدراكا للتفاصيل كيف تقرأ ذلك، خصوصا فيما يتعلق بحرص الملك على خدمة الوطن والمواطن وتحقيق الرفاه الحقيقي؟ يحرص سيدي خادم الحرمين الشريفين (أيده الله) في كل مناسبة، وليس في جلسة الميزانية فحسب، على تذكير أصحاب السمو الملكي والمعالي الوزراء بواجباتهم، كل في مجال مهمته واختصاصه، بما ينعكس، إيجابيا على أمن الوطن واستقراره ورفاه أبنائه، ويحثهم على استثمار المال والجهد المتاحين لتنفيذ البرامج التنموية المناطة بوزاراتهم، ولن أنسى قط توجيهه (حفظه الله) أكثر من مرة للوزراء، «وخاصة عقب إقرار الميزانية السنوية للدولة»، حيث يقول إنه ليس لأحد عذر مع توافر الاعتمادات المالية الكبيرة التي أفاء الله بها على هذه البلاد، في الوفاء بالتزامات كل جهة خدمة للوطن والمواطن. • ما الذي تلمسه من الملك الإنسان عبد الله بن عبدالعزيز، عندما تخرج عن المجلس قرارات تهم المواطن وحياته؟ أشاهد ابتسامة حانية تكسو وجهه الكريم (حفظه الله) مصحوبة بعبارة «الحمد لله» كلما أقر المجلس الموقر أمرا فيه نفع مباشر أو غير مباشر للمواطن. • يراك المتخصصون والمهتمون بالإدارة بأنك تمتلك خبرة إدارية ثرية، وأنت من أوائل المتخصصين في هذا الحقل وتخرجت في وقت مبكر في جامعة مهمة بين مثيلاتها في العالم، برأيك هل نعيش أزمة إدارية «الإدارة باحترافية ومهنية» في الوقت الحالي في القطاع العام، وما الوصفة العلاجية برأيك لأية منظمة تحتاج إلى إدارة حقيقية، في ظل تفاقم البيروقراطية؟ دعني أولا أعلق على صيغة السؤال نفسه، فأقول بكل تواضع وثقة إنني لا أملك، كما يزعم السائل، «خبرة إدارية ثرية»، لأن لهذه العبارة ثقلا لا أدعي شرف حمله أو الانتماء إليه. نعم، انشغلت بالشأن الإداري في الدولة على مدى أربعة عقود تقريبا حتى الآن، وتنوعت خبراتي خلالها بين التدريس في معهد الإدارة العامة والاستشارة الإدارية لمدة خمسة أعوام وكنت في الوقت ذاته مكلفا بسكرتارية اللجنة العليا للإصلاح الإداري، ثم عملت في ديوان رئاسة مجلس الوزراء لمدة عام ونصف العام تقريبا قبل أن أنال ثقة التعيين أمينا عاما لمجلس الخدمة المدنية على مدى 18 عاما، ثم شرفت بالاختيار لشغل منصب نائب أمين عام مجلس الوزراء في عام 1416ه، ثم أمينا عاما له في عام 1426ه. وقد تركز الجزء الأكبر من خبرتي في مجال عمل «الأمانات الثلاث»؛ اللجنة العليا للإصلاح الإداري، لمدة أربعة أعوام تقريبا، ثم الأمانة العامة لمجلس الخدمة المدنية، بدءا من نقطة الصفر عقب إنشاء ذلك المجلس في عام 1397ه، ثم الأمانة العامة لمجلس الوزراء منذ عام 1416ه حتى الآن. ما أروم الوصول إليه عبر ما تقدم، هو أنني لم أتول قط مسؤولية الإشراف المباشر والتنفيذ لبرامج تنموية معينة، كما هو الحال في الوزارات والهيئات الحكومية، ولذا، تقصر رؤيتي كثيرا عن الدخول في مجال النقد والتقييم والتوصيف للنهج الميداني المتبع في الإدارة الحكومية. لكنني، من صوب آخر ولغرض إشباع رغبة السائل، يمكن أن أتكئ في ردي على حصاد المتابعة والتأمل ل«سيناريو» العمل الحكومي عبر القراءات والمشاهدات والندوات وأحاديث الجدل الذي لا يكاد ينقطع عن أداء الإدارة الحكومية سلبا وإيجابا، ويمكنني أن ألخص مشاهداتي وتأملاتي في التالي؛ 1 هناك قدر من الإفراط في التشاؤم لدى البعض في «تقييم» الإدارة الحكومية، والغلو في وصف «تبعة الروتين» أو «البيروقراطية» في بعض مواقع التقييم وكأنهما داء لا برء منه ولا شفاء، وبعض الذين يمارسون هذا اللون من النقد يعتمدون إما على الظن، وإما على موقف سابق في العمل أو بسبب التعامل مع إدارة حكومية ما، لم يحالفه التوفيق فيها لعلة أو أكثر، وإما استهداء بما تلوكه بعض المجالس الخاصة وشبه الخاصة من أحاديث غير موثقة عن حالات من القصور هنا أو هناك. 2 وفي الوقت نفسه، لن أرتكب هنا خطأ الدفاع الأعمى عن الإدارة الحكومية أو تبرئتها، فالخطأ في الاجتهاد وارد مثلما أن «الانحراف» في الأداء وارد أيضا، وهذه أمور تلتصق في كل زمان ومكان بإفرازات النفس البشرية، لكن «تعميم» الخطأ أو تهويله أو الافتئات في سبيله هو ما ينكره المرء السوي منا، سواء العامل في الإدارة أو «المستهلك» لأدائها، ولنتذكر، أننا معشر «المستهلكين» للحراك الإداري نسهم أحيانا في نشوء الخطأ أو الانحراف في الأداء، إما ترغيبا أو ترهيبا أو تحريضا، ونحن في نهاية المطاف ضحية «ثقافة إدارية» سائدة غير ثقافة الكتب المتخصصة والوصفات الأكاديمية الجاهزة. • يستقبل الوطن أفواج العائدين من رحلات الابتعاث الموزعة على ثقافات العالم، والبرنامج مستمر إلى خمس سنوات مقبلة، كيف ترى هذا البرنامج وأنت من خريجي التجارب الأولى للابتعاث؟ سن سيدي خادم الحرمين الشريفين (حفظه الله) سنة حميدة ورائدة بإعادة فتح باب الابتعاث إلى الخارج بدءا من أستراليا والصين واليابان شرقا حتى أقصى أمريكا غربا، مرورا بالقارة الأوروبية، وكان الهدف من ذلك هو منح الشاب السعودي مساحة من الانفتاح على ثقافات العالم الآخر، وامتصاص النافع من علومها وإنجازاتها التقنية والحضارية، لتتكون منها فيما بعد بإذن الله «خلطة كونية» مترامية الأطراف يمكن أن تساعد مخرجاتها بإذن الله بلادنا على تعميق وثباتها الحضارية والتنموية صوب ما يسميه سيد القافية الشعرية الجميلة وأمير التنمية، خالد الفيصل ب«العالم الأول». قديما، كان التركيز في الابتعاث على الغرب ممثلا في أمريكا وبعض دول أوروبا، وسبقت ذلك تجربة الابتعاث إلى مصر في الخمسينيات وأوائل الستينيات ميلاديا، وقد أتت هذه التجربة وسواها أكلا طيبا، يجسده عطاء نخبة من الخريجين، خدموا البلاد على أكثر من صعيد وتدرجوا في سلم الخدمة إلى أعلى المستويات. إذن، فبرنامج الابتعاث، القائم منه والمقبل، هو استثمار له ما يبرره ويسنده، لإثراء العمل التنموي عبر تنويع مصادر «التمويل البشري» له، ولا أرى بديلا لذلك إذا كنا قيادة وشعبا نروم لبلادنا أن تتجاوز نفسها إلى العالم من حولها، ريادة ومكانة وإنجازا بإذن الله. الإنسان عبد الرحمن السدحان • دعنا نبتعد عن موقعك الرسمي ونقلب الذكرى.. من رائحة طين قرية مشيع في أعالي جبال عسير إلى أنغام حروف الهجاء التي كانت تعطر ساحة البحار الأبهاوية، ودفء العمامة البيضاء والسفر في صندوق البريد وحتى قاعة الدرس في جامعة جنوب كاليفورنيا وصولا إلى أمين عام مجلس وزراء الوطن، ما الذي لم تقله في «سحائب ذكراك» وتود أن تبوح به اليوم؟ أمور كثيرة لم تبح بها سحائب ذكرياتي، وقد أحجمت عن ذكرها، إما احتراما لخصوصيتها، أو لافتقارها إلى مضمون معرفي أو ثقافي أو تاريخي يمكن أن يضيف إلى ثقافة القارئ الكريم شيئا يذكر. ولقد كنت مترددا جدا عبر عقدين من الزمن، في كتابة مذكراتي إما خوفا من إغراق ذهن القارئ في سرد تفصيلي لا قيمة له ولا هيبة، أو إحراج بعض من عاصر التجربة، بحجة أنني أمطت اللثام عن شيء مما يمكن تسميته ب«المسكوت عنه» من الأحاديث. وقد تلقيت بعض الانتقادات «الودية» في هذا الصوب، فكان ردي أنني لم أشهر بأحد أو أتحدث عنه بما يسوؤه. أحدهم عاتبني لأنني أوردت ذكر «الكف» الساخن من الخال سعد (رحمه الله)، لحظة وصولي إلى الطائف أول مرة وأنا ابن العاشرة تقريبا، قادما من منطقة عسير، بعد أن «راعني» مشهد الدراجة العسكرية النارية تمخر عباب ساحة «برحة القزاز»، فأردت بعفوية الطفولة وسذاجتها أن «أشرك» خالي في متعة المشاهدة لذلك المشهد الاستثنائي، بالنسبة لي على الأقل، فدعوته قائلا «إنق اليني ياخال» أي: «أنظر الجني»، ولم يدر بخلدي لحظتئذ أنني ارتكبت محظورا، فكان الرد «كفا» أخرس فضولي وكبت لساني. بقي شيء في الخاطر من تلك التجربة، بكل ما تخللها من دخان الألم والحرمان والمعاناة، وهو أنني مدين إلى النخاع بعد الله لكل مدخلاتها ومخرجاتها، بدءا من سقيي الزرع في مشيع ورعي الغنم في تلالها، مرورا بالترحال غير المستقر بين عدد من مدن المملكة وانتهاء بالرياض ثم أمريكا، والعيش سبع سنوات في لوس أنجلوس المذهلة، خرجت منها بشهادتي البكالوريوس والماجستير في الإدارة، وأبرر هذا البوح بالقول، إن حصاد تلك التجربة بكل أطيافها أسهم في تشكيلي على النحو الذي انتهيت إليه اليوم، وأقرن ذلك بالقول إنني أحمد الله أنني لم أولد في هذا الزمن المترع بموارد العيش وخياراته ترفا وتدليلا، إذن لربما كنت عبئا على أبوي، وهما ملازما لهما. كنت في ربيعي التاسع أو العاشر أعيش داخل أروقة نفسي تجربة «رجل» يحاول أن يعرف ما يريد، ويتخذ في سبيل ذلك «قرارات» كان بعضها مفصليا، من حيث لم أع ولم أقدر، لكنها فتحت لي آفاقا أخرجتني من «زنزانة» «الوصفات» القبلية داخل قريتي الريفية مشيع. • هل سيكتب أبو محمد يوما ما سيرته أمينا عاما لمجلس الوزراء؟ ربما، في الوقت المناسب، ولغاية مناسبة لها من القيمة ما يشفع لها. • أجبت كثيرا عن عبد الرحمن بن محمد السدحان الإنسان، ولكن هنا نود أن نسجل فاصلة مختلفة، أعد تعريف نفسك في هذا الزمن وعقب كل التجارب التي مرت، من أنت؟ ما أصعب هذا السؤال، «من أنت» وما أشقاني به!. ماذا أقول عن نفسي تعريفا، بعد رحلة ستة عقود من العمر، سوى أنني نبتة إنسانية نشأت ونمت في رحم المعاناة، قبل أن تخرج إلى العالم، تبحث عن «أناها» المؤمنة بربها وبما قدر لها، والراضية بما آلت إليه، هل تصدق أيها السائل الكريم أنني رغم أطياف الأماني وسحائب الإنجازات ما برحت أبحث عن هذه «الأنا» في بيادر الزمان والمكان والحدث!، وسأظل رغم كل شيء، أحمد الله من قبل ومن بعد، على ما بي وما إلت إليه حتى ألقى ربي، لأن ذاك ما قدره لي رب العالمين. • المبتعثون اليوم يحتاجون إلى ملهمين يشحذون هممهم، وأنت من أوائل المبتعثين، ما أبرز ذكرياتك في هذه التجربة، وماذا تقول لمبتعثي اليوم؟ أقول لهم: أنتم «الوارثون» لما أنجزه جيل الأمس، وما أخفق فيه، فخذوا من العلم والخبرة والحكمة زادا يعينكم بعد الله على تحمل مسؤولية «التركة» تنمية لإنجازاتها، وتصحيحا لإخفاقاتها!. • المرأة شكلت جزءا مهما في حياتك، من مزرعة جدك وحتى أهم نجاحاتك.. هل أنت راض عما قدمت لها، وهل في جعبتك شيء للمستقبل؟ كانت سيدتي الوالدة (رحمها الله وأرضاها) «بوصلة» الحنان التي استهدي بها بحثا عنه، والنجاح الذي أشقى من أجله، والهناء الذي أحلم به، لأنها كانت رمزا مضيئا لكرامة المرأة وعزمها وقدرتها على قهر الصعاب، وهي «مدرستي» التي تعلمت منها الكثير، إدارة وتدبيرا!. هل أنا راض عما قدمت للمرأة، ممثلة في أمي في حياتها، أو في زوجتي رفيقة دربي الطويل، ونبع الحنان الذي لا ينضب، أو في فتاة بلادي، في طول البلاد وعرضها؟، أقول: لا لست راضيا، وقد لا أبلغ من العمر حدا يعينني على بلوغ قدر من الرضا، ويبقى مستقبل المرأة واعدا بالكثير لها بإذن الله، ولبلادي، من خلالها، لتكون بحق شريكا مبدعا للرجل، ومكملا لجهوده. الرفيق الوفي للراحل القصيبي • كيف تلقيت خبر وفاة الدكتور غازي القصيبي (رحمه الله)، وماذا اعتراك؟ تلقيت نبأ الفاجعة عبر اتصال هاتفي مقتضب من صديق صباح يوم الأحد الخامس من رمضان 1431ه، وكنت في طريقي إلى مكتبي في جدة، شعرت لحظتئذ، وكأن الأرض قد اهتزت تحت قدمي وانشطرت لأهوي فيها من عل وأنا في حال محزن من الارتباك والذهول!. ذكرت الله كثيرا في تلك اللحظة، وقد تجمد الدمع في عيني والريق في فمي، وتعثرت خطاي وأنا أدلف إلى مكتبي، ثم لذت بأول مقعد في المكتب وكأني أبثه ما بي، وشعرت بشيء من السلوى حين تقاطر زملاء العمل إلى مكتبي معزين لي ولأنفسهم في آن!. استمرت زوبعة الذهول تعصف في خاطري، أياما، وأنا من فرط الأسى لا أكاد أصدق أن غازي قد قضى ورحل إلى فردوس الخلود بإذن الله ولولا إيماني بالله وتسليمي بقضائه، ثم يقيني بما آل إليه حاله في الأيام الأخيرة من عمره.. لكان لي حال آخر، ثم دخلت في «هدنة» نفسية مع الأسى حين كتبت مرثيتي عنه، ونشرتها في «الجزيرة» بعد يومين من رحيله، وكانت شهادة حب لصديق العمر غازي (رحمه الله). • عايشت تفاصيل معركة القصيبي مع المرض وكنت من أقرب الناس له، كيف كان يعيش مع المرض ويكابده؟ كان عملاقا في صراعه مع المرض، خاصة بعد أن كشف له الأطباء الأمريكيون في مستشفى ال«ميو كلينيك» هوية العدو الخبيث الرابض في أحشائه، ولم أكد أصدق ما أسمعتني إياه زوجته الفاضلة في اتصال هاتفي موجز ذات مساء من مقر علاجه في أمريكا، وكنت أظن ومعي كثيرون أن معاناته قبل وبعد دخوله مستشفى الملك فيصل التخصصي في مدينة الرياض مرتبطة بمشكلة قرحة المعدة وتبعاتها، وهو أمر ظل يشكو منه زمنا طويلا، في كل مداهمة تفاجئه في ليل أو نهار، ثم يتناول ما تيسر من علاج، ويتوارى الألم، ويعود بعد زمن قصير أو بعيد!، أما أن تكون محنته الصحية الجديدة بسبب الداء الخبيث فأمر لم يطرأ على بال أحد. وبوجه عام، كنت أتابع حالته بالحضور إلى مقر علاجه في الرياض أو هاتفيا بعد سفره إلى أمريكا، وبعض الأوقات، كنت أشرف بحديث مقتضب معه عبر هاتفه الخاص، فأسمعه آخر الأنباء مما يهمه سماعه، وقد أروي له شيئا من الطرف المتداولة، فيبتسم لبعضها ابتسامة تملأ نفسي غبطة وفرحا، وكلما سألته في ثنايا الحديث الهاتفي عن حالته الصحية، كان( رحمه الله) يرد بإيجاز ينبئ عن الصبر والإيمان والاحتساب قائلا «الحال مستقر والحمد لله»، ثم يتبع ذلك بعبارة «الله كريم». وكنت في كل الأحوال أحرص على تجنب الاستقصاء في معرفة المزيد عنه صحيا، كيلا أزيده ألما، وأزداد مع ذلك وجعا. ولن تفارق ذهني أبدا ذكرى زيارتي الأخيرة له في مستشفى الملك فيصل التخصصي ذات مساء قبل وفاته (رحمه الله) بأيام قليلة، حين استبد بي الشوق والحزن وأمور أخرى، «فاقتحمت» عليه خلوته في «العناية المركزة» بمساعدة مدير مكتبه الصديق هزاع العاصمي، لم أصدق عيني وأنا أشاهد غازي بعد غياب دام نحو ثمانية أشهر، وسط «غابة» من الأجهزة. كنت وجها لوجه أمام الحبيب غازي القصيبي، الرجل «الاستثناء» جسما وعقلا وروحا وعطاء بلا حدود، وكنت أحاول خلال دقائق زيارتي أن أملأ سمعي وبصري بحضوره المهيب، قلت بلساني قليلا من الكلمات، لأنني كنت أخشى أن تخونني العبرة، ويهزمني الحزن، وأفقد لغة الكلام. كانت عيناه تحاصرانني «فتسمعاني» حديثا تمنيت أن يدوم، ومرة أخرى، كان عملاقا وجبارا وصبورا، وكان قبل ذلك وبعده مؤمنا بالله وبقضائه وهو يعاني سكرات المرض، دعوت له من قلبي بالشفاء كل الشفاء ،وأن يحفظه الله قرة عين لأهله ولمحبيه ولمريديه في كل مكان، ثم انصرفت وأنا لا أكاد أصدق أنني رأيت غازي بأم عيني واستمعت إليه بملء سمعي، وكنت في داخلي انتحب ألما وحزنا، ولم أكن أدرك قط أن الدقائق التي أمضيتها بين يديه كانت الأخيرة في حياة كل منا. • تحدثت كثيرا عن صداقة عمر مختلفة مع الأديب والإداري المهم، ما الذي لم تقله بعد عن القصيبي إنسانا؟ كان غازي القصيبي إنسانا موهوبا بكل ما في هذا القول من معنى، في طبعه شفافية الأديب، ورومانسية الشاعر، وروحانية العابد، وهيبة العالم، وجزالة المفكر، وعبقرية الكاتب، كان يعشقه الحرف وينقاد له ولا يتمرد عليه، حتى في أحلك الظروف وأقساها مرارة وألما، كما تشهد بذلك روائعه الشعرية التي سبقت رحيله بوقت قصير، تتقدمها رائعته قصيدة «سيدتي السبعون» التي كتبها على فراش المرض في مستشفى «مايو كلينك»، وكما في أحدث كتبه «الزهايمر» الذي لم يقدر له أن يشهد ميلاده حيا. كان غازي رقيق القلب، تبكيه أبيات من قصيدة، أو مقطع من مقال، أو مشهد يستدر العطف ويستمطر الحنان، ورغم ذلك، أعجب من شغفه ببعض أفلام «الأكشن» المشحونة بالعنف!، ذاك هو غازي الذي أشغل نفسه والناس معه. وأذكر أنني كتبت له رسالة نصية «عبر الجوال» بعد استقراره في مقر علاجه في الولاياتالمتحدةالأمريكية، بثثته فيها شيئا من لواعج النفس خوفا عليه مما ألم به، ودعاء له بالشفاء، وجاء رده عاجلا وحزينا ومؤلما لي، إذ قال بالحرف الواحد: «لقد أبكيتني يا عبدالرحمن..»، وعتبت على نفسي كثيرا، رغم ما بي عنه وبسببه، بعد تلاوة تلك الرسالة. وتتساوى «رقة الإنسان» في شخصية غازي مع «صلابة» الرأي وجرأة الطرح وفصاحة البيان عما يراه حقا، مقترنة بعزيمة المحارب في الدفاع عن رأيه، فإما أقنع.. أو اقتنع.. أو طوى بساط الحوار إلى حين آخر. وكان قبل كل شيء وبعد كل شيء يمقت النفاق في التعامل.. وما قرب إليه من قول أو عمل. ويوقر الجدية في التعامل وما قرب إلى ذلك من قول أو عمل. أما الآية الكبرى لإنسانية غازي التي لا يعرف عنها إلا القلة المقربون منه، فهو أن معظم ما يجنيه من مال، بما فيه ريع كتبه ودواوينه الكثر، كان ينفقه في سبل الخير، من أفراد ومؤسسات، وكانت جمعية الأطفال المعوقين نبتة خير أنشأها (رحمه الله) بمبادرة فردية ومؤازرة بعض محبي الخير في البلاد. باختصار، البحث في البعد الإنساني لشخصية فقيد البلاد غازي القصيبي لا حدود له، وقد أوردت بعض المراثي عنه بعضا من تلك الخصال، وما أوردت في هذا الحديث المقتضب فيض من غيض. • ما الذي يشغل تفكيرك وتود أن تقدمه إلى أبي سهيل عقب رحيله؟ أمور كثيرة جدا منها؛ * أنني فقدت برحيله الرفيق والصاحب والقدوة الحسنة، عقلا وروحا ولسانا. * أن الوطن خسره وهو أشد ما يكون حاجة إليه، فقد كان «واحة» فسيحة من التأهيل الأصيل والخبرة المتجددة والرأي السديد. * أن «التنمية» خسرت واحدا من أبرز فرسانها تنظيرا وممارسة بامتياز، تجلت في إنجازاته عبر أكثر من مجال، وفي كتابه «حياة في الإدارة» يروي جزءا مهما جدا من «السيرة الذاتية» للتنمية في المملكة، حين قررت أن «تغزو» العالم تنمويا مستثمرة قدراتها الطبيعية، فكانت «سابك» ابنة غازي المدللة، وكانت وصيفتاها «الجبيل» و«ينبع». * هناك «رسالة» أخيرة أخاطب فيها غازي عبر هذا اللقاء فأقول: كنت «استثناء» يا أبا سهيل، في مولدك وفي شبابك وفي أدبك وفي تأهيلك، ثم في خدمة وطنك، على أكثر من صعيد، وستبقى يا غازي «حبا» في قلوب من أحبوك عن بعد وعن قرب سواء. سيبقى عطر ذكرك وذكراك متألقا على موائد فكرنا روحا وعقلا وإنجازا. • اختلفت الغربة بالنسبة لك بجوار رفيقك المحمل بذكريات الأحساء والقاهرة، حدثنا عن الغربة مع غازي القصيبي بأي لون وطعم كانت؟ أزعم أنني ذو حظ كبير في مواقف أو أماكن ومناسبات عدة، من بينها أن غربتي في أمريكا للدراسة اقترنت بداية ب«التعرف» على غازي ذات يوم على سلم مكتبة جامعة جنوب كاليفورنيا عبر صديق مشترك، وكان ذلك اللقاء مع غازي اللبنة الأولى في صرح متين مترع بالمحبة، استمر نحو 45 عاما، تخللتها فترات من الابتعاد جغرافيا، لكن شعلة المودة لم تنطفئ أو يخب أوارها. • كنت إلى جوار رفيق دربك إبان معركته مع السعودة، وشاركته في الترويج لثقافة العمل واعتمرت غطاء الرأس الذي يستخدمه الطباخ، في حس وطني مشترك، بماذا كان يهمس لك في هذا الشأن وهو المسكون بهم توفير فرص عمل شريف لأبناء الوطن؟ كان غازي مسكونا بحب هذا الوطن وحب أهله، وجاءت قضيه «السعودة» التي أحياها وهي رميم، جاءت لتستفز فيه هذا الحب وتستنفره، حتى غدت شغله الشاغل في غدوه ورواحه، كان يتألم جدا ويغضب جدا وهو يطالع إحصائيات «البطالة» وإن شاب بعضها شيء من غلو كان يحلم ألا يبقى شاب مؤهل للعمل قادر عليه وراغب فيه خارج أسوار الوظيفة، وخاصة في القطاع الخاص الذي يعج بالعمالة الوافدة من كل حدب وصوب، وكان حلمه سبب ألمه الذي لم يكن سرا على أحد، ممن عرفوه أو عاشوا أو عملوا بالقرب منه، أو قرأوا «أدبياته»، وكان هم «السعودة» شمس يومه وسراج ليله، وشريك سرائه وضرائه، أنفق جزءا من عمره في خدمتها، وكانت «البطالة» ووجهها الآخر «السعودة» هما يومه وغده، ثم غاب وقلبه ينبض بذلك الهم. وكان (رحمه الله) يراهن على الزمن طمعا في حل أو أكثر يحيل حلم السعودة إلى حقيقة، ويحجم «غول» البطالة البشعة. • مواقف كثر شهدتها مع أبي سهيل، ولكن في الذكرى موقف لا ينسى، ما هو ومتى وأين؟ رحلة القرب لغازي على مدى أربعة عقود وتزيد حبلى بالذكريات، منها الباسم، ومنها ما هو غير ذلك. لكن الذكرى التي تتحدى النسيان هي مشهد غازي محاطا بثلة من الشباب السعوديين العاملين في أحد مطاعم جدة خلال صيف العام الماضي، وقد اعتمر زيهم، وشاركهم في بعض مراحل تحضير الطعام، ثم وهو الأشد تأثيرا في نفسي، حين سألهم أن يجلسوا في مقاعد ضيوف المطعم، فيما هو وبعض مرافقيه، والمسؤولون عن ذلك المرفق، يتولون تقديم الأطباق إلى أولئك «الضيوف» في تظاهرة حاشدة استمطرت الإعجاب والتقدير، لم أر غازي سعيدا وجذلا مثلما شاهدته ذلك المساء من صيف العام الماضي في مدينة جدة. كان يشعر أن جزءا من «حلم السعودة» يتحقق أمام ناظريه، وأن «قانون العيب» الذي يحجم بسببه الشباب عن العمل في القطاع الخاص كان «يترنح» استسلاما، كان غازي يعيش نشوة خاصة من الفرح ذلك المساء، وكانت كل عضلة في وجهه ولسانه تنطق بذلك، وخرجت صحف اليوم التالي تحمل صور غازي «الطاهي ومضيف المطعم» تملأ الصفحات، وكان موقفا مشهودا. كانت رسالة غازي من ذلك الموقف تقول: لا عيب يقف دون إرادة المرء الشريف في البحث عن اللقمة الحلال. • لو كان بإمكانك أن تهمس في أذن الراحل عقب وفاته، ما الذي تود أن تقول عقب موجة الحزن التي عمت البلاد، حتى أن إماما وخطيبا رثاه على المنبر وقرأ شعره للمصلين وأثنى على دوره الخيري وفي مجال خدمة الإسلام والمسلمين؟ الحبيب غازي.. أهنئك بحب هذه الأرض الطيبة لك، قيادة وشعبا، رجالا ونساء وشبابا وكهولا!، كان يوم وفاتك تظاهرة عارمة من الفقد لك والحزن عليك، والابتهال إلى الرب تبارك وتعالى أن يغفر لك وينزلك في دار الخلود. حتى الأقلام الشاذة التي تعودت النيل منك في السر والعلن، حتى «خفافيش» الإنترنت التي احترفت نقدك نقدا جارحا توارت عن الأبصار والأسماع، إما تراجعا عن مواقفها تأثرا بفقدك وإما خشية المواجهة مع هدير الحب والحزن من أجلك في كل مكان. • أخيرا، في بلادنا مثقفون وإعلاميون وإداريون شغلوا مواقع مهمة شاركوا في مراحل تأسيس البلاد، منهم من رحل عن الدنيا والبعض تقاعد وآخرون ما زالوا يخدمون، يرتبطون بعلاقات إنسانية حميمية ووفاء نبيل، في الوقت الذي نسمع عن حروب وصراعات على المناصب والمواقع والفرص وتبادل التهم، ماذا تقول للجيل الأول، ورسالتك للجيل الجديد؟ أقول للجيل الأول: بوركتم وبورك ما صنعتم من أجل هذا الوطن، قل أو جل. وإنجازكم هو ركيزة لمنجز اليوم، وهو مبتدأه وسناه. أما الجيل الجديد، فأقول له: لا تستعجلوا نيل المطالب، ولا تستسهلوها، فدربها صعب، لا يقهره سوى التأهيل القيم والإرادة القوية والعزم القويم لصنع شيء، والتدرج المدروس في صعود سلم العلا هو «وصفة» النجاح، أما القفز فوق الحواجز، أو البحث عن «نافذة جانبية سريعة» وغير مكلفة جهدا وتأهيلا وصبرا، فمصير محفوف بالفشل، لأن التاريخ لا يرحم، حين يدون ما صنعتم، ولأن ألسنة الناس وأقلامهم لن تجاملكم في السر أو العلن.
بروفايل تسكن النسمات الأولى من أوكسجين الدنيا لأمين عام مجلس الوزراء عبد الرحمن بن محمد السدحان أعالي جبال عسير، حيث أبصر النور عند هضبة قريبة من الغيم، دالفا إلى عمق الحياة بجسد غض آيل للخوف أكثر من الاستمرار، إلا أن الله أراد له حياة وأكثر، مستجيبا لدعاء الأم التي كانت تغرس أصابعها في السماء رجاء أن يبقي الله مولودها، وتكتحل عيانها بمتابعته ينمو حولها. فرح الأب محمد بنجاة ابنه الذي منذ ولادته وحتى عامه الثاني لم يستطع الأكل، واشتعل الفرح في أغصان روحه وأم عبد الرحمن. أمين عام مجلس الوزراء، نصفه جنوبي من أم عسيرية، والآخر نجدي من والده الذي رحل من نجد إلى عسير محملا من الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن برسالة إلى حليفه في ذلك الزمن عبد الوهاب أبو ملحه، واستقر بعد أن راق له مناخ التجارة وأهل الدار فاختار السكن والزواج. تقلبت حياة الطفل بين المدرسة البسيطة في أبها المطلة على ساحة البحار، وانتقال أبيه إلى جازان. وخاض في بواكير حياته رحلات مغموسة في كأس الألم والشقاء، تارة على ظهر جمل إلى جازان، وأخرى في سيارة البريد إلى الطائف التي كانت بوابة لحياة جديدة انطلقت لتشكل منعطفا جديدا في حياته. مر بمكة المكرمة، فجدة، ومنها إلى جازان، فالاستقرار مرة أخرى في عروس البحر الأحمر، وفجأة إلى زحلة اللبنانية ليقضي عاما دراسيا كاملا. انتقل الأب التاجر من قوافل الترحال إلى الاستقرار في العاصمة، وحمل العتاد والأولاد في رحلة إناخة ركاب البحث عن العيش، ومنها كانت رحلة الفتى الفطن الذي حصد التميز، حتى اختارته وزارة المعارف في ذلك العهد ليكون من طلائع المبتعثين إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية التي يصفها في كتاب سيرته الذاتية «قطرات من سحائب الذكرى» (مكتبة العبيكان 1427ه، 2006م)، بأنها ولادة جديدة في حياته. تقلب الشاب الذي عاد مؤهلا في الإدارة من جامعة جنوب كاليفورنيا بدرجتي البكالوريوس والماجستير في زمن بدايات تشكيل لبنات التنمية في البلاد في مواقع إدارية عدة، مفتخرا بتجاربه التي بدأت من مزرعة جده لأمه مزارعا وراعيا للغنم وبائعا مع زوج أمه، حتى غدا الطفل الذي كان يبني أحلامه بأحجار المرو برفقة الأغنام على التلال قائدا لأوركسترا الجهاز التنفيذي في مجلس الوزراء أمينا عاما، يرافقه تقدير من يعرفه ولقب «صاحب المعالي».