الشوارع الخالية لحد الصمت المطبق والمنازل شبه الميتة لدرجة الهدوء القاتل في المخططات السكنية أثناء أيام العيد وصباحات الإجازات الرسمية وكأن لا أحد يسكنها إلا من بقايا أطفال وخادمات يغرقون في نوم مخملي في ذروة صخب الشوارع العامة، كانت أشبه ما يكون بصيدة أسالت لعاب المتسلل (فهد) لتنفيذ أعمال السطو التي قام بها، ونتج عنها سرقات عدة أفزعت الخادمات وروعت الأمهات وأقلقت مضاجع الآباء وأشغلت الجهات الأمنية لحد استنفار بعض أقسام الشرطة للوصول إلى الخيط الذي يدل على ذلك المتسلل للقبض عليه. هذه الملامح ساعدت على بروز ظاهرة جرائم الشوارع الباردة لحد الشلل التام .. سرقات في وضح النهار وخلوات غير شرعية في ذروة أوقات الدوام، يحدث هذا والآباء مشغولون في أعمالهم والأمهات غارقات تحت غطاء النوم في أحياء سكنية تعيش فتورا واضحا في العلاقات الاجتماعية لدرجة عدم معرفة الجار لهوية جاره الذي يلاصق جداره جدار منزله، بعد أن فرضت حياة اليوم بإيقاعها السريع حياة الانشغال لحد مسابقة ساعات اليوم وسط أبواب مغلقة قطعت حبال العلاقات الاجتماعية التي كانت في السابق خط دفاع أول ضد الغريب وضد الجريمة. إلى أي مدى ساهمت الشوارع الخالية وفتور العلاقات الاجتماعية في فتح الباب على مصراعيه لجرائم السطو والسرقات والخلوات التي رسم خطوطها القذرة بعض المتسللين والمتخلفين والعمالة السائبة التي وجدت في خلو الشوارع وصمت المنازل النافذة المشرعة لتنفيذ أعمال الإجرام، هذه الأسئلة دعتنا إلى ملف هذه القضية لرصد الواقع وبحث الأسباب وتحليل النتائج: سرقات في وضح النهار ماذا يعني أن يتردد متسلل على شارع سكني خلال أسبوع كامل لرسم خطط السطو على منزل اختاره، يحدث هذا وأكثر من جار شاهد ذلك الوجه الغريب الذي يقطر بالريبة والشك دون أن يكون لهم ثمة دور في خلع قناع وجهه من خلال استجوابه وسؤاله عن سبب تردده وهو الغريب عن ذلك الحي، مما أدى مساعدته لتنفيذ أربع جرائم سطو مسلح خرج منها بمبالغ مالية وكم من الأساور الذهبية، وإذا كانت هذه قصة متسلل راقب البيت الضحية فإن قصة أخرى قاتمة السواد لغياب الجار الذي ينبغي أن يكون برتبة رجل أمن عندما أوقف مجهولون سيارة نقل أمام بوابة فيلا سكنية في حي الإسكان في مكةالمكرمة وفرغوها بما خف وزنه وغلا سعره أمام المارة وعلى قارعة الطريق بعد أن تأكدوا من خلال تحرياتهم الخاصة أن صاحب الفيلا خارج العاصمة المقدسة لأكثر من يوم، لكن ملاحظة متأخرة لجار صاحب المنزل المسروق حملت الأسئلة هل أنت مغادر المنزل لكي يحمل عفش منزلك، الأمر الذي كشف خيوط حقيقة الحادثة لكن بعد انفض اللصوص وقد نفضوا المنزل بما فيه ومنها مبالغ مالية وأساور ذهبية تزيد قيمتها عن 150 ألف ريال. نماذج نريدها وإذا كانت هذه الصور القاتمة السواد نماذج لواقع العلاقة الاجتماعية بين الجيران والتي أثرت على طبيعة العمل الأمني في الحي أو الحارة وأفرزت عددا من حوادث السطو فإن ثمة صورا أخرى مضيئة لبعض المواطنين الذين كانوا مواطنين في بزة رجال الأمن حيث تبقى حكاية المواطن صالح المسعودي من سكان مركز الفوارة التابع لمحافظة الجموم وذلك عندما اكتشف اثنين من المطلوبين أمنيا أثناء توقفهما في واد ناء على إثر تعطل السيارة التي كانت تقلهما، حيث ظل المواطن المسعودي يتابع ويحلل ويربط ويخطط لأكثر من 12 ساعة بلا كلل أو ملل أو حتى جوع أو عطش إلى أن تم القبض عليهما وتسليمهما للجهات الأمنية. الرأي الاجتماعي الدكتور خالد بن يوسف البرقاوي الأستاذ المساعد في جامعة أم القرى قال، من منظور اجتماعي لحظة اتصال «عكاظ» به، إن المتغيرات التي طرأت على المشهد الاجتماعي اليومي بجميع صوره وقوالبه والذي حول واستبدل حياة الحارة والحي الشعبي المسكون بأهل البلد بحياة المخططات السكنية التي أبعدت ببعدها كثيرا من عرى العلاقات الاجتماعية الحميمة وذلك أن الحياة المادية والحديثة اليوم أثرت بوضوح على حجم العلاقة بين الجيران بحكم إيقاع الحياة السريع وطغيان الأعمال الخاصة وعدم استشعار أهمية الجار وما ينبغي أن يقدم له، وأشار البرقاوي إلى أن فتور العلاقات الاجتماعية أثر بجلاء في الناحية الأمنية مما أوجد ثقبا واسعا في ثوب الحي الأمني مما يجعل العمل على إعادة الدفء إلى علاقات الجيران وإعداد صياغة كاملة وأفكار منيرة خاصة في ظل الدور المنتظر لمجلس الحي الذي نعلق عليه الآمال لإحياء شجرة العلاقات بين أهل المخططات السكنية وترميم جدرانها المتصدعة وتكريس العمل على إبراز فضل الجار وما أعده الله للجار المثالي وإيضاح السبل التي يمكن أن تتخذ من قبل المتشجعين لتحريك سكون مياه الجيران الراكدة وتبني فكرة ديوانية الحي لتكون مظلة آمنة لجمع أهل الحي.