الحمد لله القائل في محكم التنزيل {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} (النور 11)، والقائل {لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور} (آل عمران 186)، والقائل {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} (الأنعام 33)، والقائل {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون} (الحجر 97). والحمد لله القائل {واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون} (النحل 127)، والقائل {فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون} (الروم 60)، والقائل {فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا} (24) الإنسان. لقد أردت أن أبدأ مقدمة هذه المقالة بتذكير نفسي وإياكم بآيات من القرآن الكريم فيها تأكيد وإيضاح بأن القسيس الأمريكي الفاجر الذي لا يستحق ذكر اسمه والذي أوقف العالم كله على حافة الهاوية بتهديده بحرق القرآن، في ذكرى تدمير مركزي التجارة العالمية في نيويورك يوم السبت الماضي، لم يأت بجديد وأن ما أطلقه من تهديدات ما هو سوى صدى لمن سبقوه من الفجار وعبدة الأوثان؛ ألم يحرق أو يغرق هولاكو المغول كتب الإسلام كافة بما فيها نسخ من القرآن الكريم التي كانت في مكتبات ومساجد بغداد عند اجتياحها سنة 1258م أي قبل تسعة قرون؟ ولكن ما الذي حدث بعد ذلك؟ حدث أن أسلم المغول جميعا بعد أن تعلموا اللغة العربية وقرأوا القرآن وحملوه إلى الهند وإلى حدود الصين شرقا ووسط آسيا وجبال القوقاز شمالا، وما إسلام الترك العثمانيين حينما كانوا في آسيا الوسطى وحملهم لرسالة الإسلام وفتح القسطنطينية ووسط أوروبا إلا نتاج لإسلام المغول. وما الذي فعله جنود هولاكو العصر الجديد (بوش) في بغداد وفي الفلوجة؟ إنه لا يقل عما فعله هولاكو وجنوده من تدنيس للمصاحف وتمركز بالأحذية والأسلحة في المساجد، بل قتل كل من لاذ بها من المسلمين الأبرياء؛ لأن دماءنا ومقدساتنا وأعراضنا كانت ومازالت مباحة في نظرهم. ولكن ألا ننظر للجانب المشرق في هذه الصورة المعتمة؟ ألا ترون أيضا أن الإسلام أصبح حقيقة واقعة في أمريكا وفي أوروبا أيضا وأن القوى المناوئة لانتشاره تتخبط بشكل جنوني في الاتجاهات كافة فتلجأ لتجييش الغوغاء والجهلة بمن فيهم ذلك القس التافه الذي اعترف بأنه لم يقرأ القرآن ولا يعرف محتوياته، ويكفيه ذلا إعلان ابنته التي أتت من صلبه براءتها، على الملأ، من أفعاله واتهامها له بالجنون.. والحقيقة أن تراجع هذا القس التعيس عن موقفه أفادنا في التعرف إلى من حرضوه على إطلاق تلك التهديدات أصلا وفي مقدمتهم الجناح المتطرف في الحزب الجمهوري المهزوم في العراق وأفغانستان الذين يعرفون أنفسهم بمسمى (حزب أو مجموعة الشاي) الذين أوردت لمحة من تاريخهم وجذورهم في المقالة الماضية والذين يقودون أشرس حملة كراهية وتفرقة تجاه الإسلام والأقليات العرقية كافة من جذور غير أوروبية في محاولة يائسة لاستعادة مواقعهم التي فقدوها في السلطة والحفاظ على امتيازاتهم المادية المتراكمة التي كان آخر تهديد لها رفض الرئيس أوباما لتمديد العمل بقانون الإعفاءات الضريبية التي منحهم إياها سلفه بوش. وعلى إثر إحجام القس التعيس عن تنفيذ وعيده ظهر عدد من أعضاء جماعة الشاي أمام بوابة البيت الأبيض وقاموا بتمزيق نسخ من القرآن دون تردد أو حياء، وعلى مستوى كنائس الكراهية والتطرف البروتستانتية وهي كثيرة في أمريكا، أقدم كاهن كنيسة (ويستبورو بابتيست تشيرش) فريد فيلبس على تنفيذ تهديده بحرق نسخة من القرآن الكريم والعلم الأمريكي متهما القس المتراجع بالجبن. وهناك حالات فردية قام فيها البعض بحرق أو تمزيق نسخ من القرآن في ولايات أمريكية عدة لتجد لها صدى في أقصى العالم في أستراليا لدى شخص ملحد يعمل في وظيفة غير أكاديمية في جامعة (كوينزلاند للتكنولوجيا) الذي استغل المناسبة في لف (الحشيش) بأوراق من الإنجيل والقرآن وظهر على الإنترنت في فيلم مصور يفاضل فيه بين نوعي الورق أيهما أفضل اشتعالا مما دفع بمسؤولي الجامعة إلى منحه إجازة مفتوحة لحين إنهاء التحقيقات قبل البت في أمره. وبدراسة ردود الأفعال الأخرى نجد أن بابا الفاتيكان يصدر بيانا غامضا بكلمات مطاطة توحي بأنه يستنكر هذه التهديدات والأفعال تجاه كتاب (تعتقد مجموعة من الناس بأنه مقدس في نظرهم) والأدهى من ذلك تبرؤ اليهود من أزلامهم المسيحيين بتصريح رئيس وزراء إسرائيل الحالي بأن الإقدام على حرق القرآن يعتبر «عملا خطيرا». وهكذا يمكن لمن يرصد الأحداث أن يرى الأعداء الحقيقيين وهم يميطون اللثام عن وجوههم البشعة بكل صفاقة ويجاهرون بما كانوا يخفونه سواء بالأفعال المباشرة أو بالتصريحات العائمة التي لا تعترف بقدسية القرآن الكريم ولا بنسبته للكتب السماوية. جانب آخر مشرق غير التعرف إلى الأعداء الحقيقيين في هذه القضية، تمثل في حدث صغير جرى في مدينة شيكاغو يمكن التقاط تأثيراته وتعميمه كنموذج فعال في إعادة ترتيب أوراق الدعوة الإسلامية وأساليبها؛ فقد نشرت جريدة (شيكاغو تريبيون) في عددها الذي صدر صبيحة 11 سبتمبر الموافق لذكرى التفجيرات أن سيدة تدعى (كيران أنصاري) وهي عضو في مجموعة قراءة في إحدى المكتبات، نظمت حلقة مفتوحة في وسط شيكاغو لقراءة آيات من القرآن الكريم. ويقول السيد (لينارد نيفيل) -وهو مسيحي كاثوليكي حضر تلك الحلقة- إنه لم يملك سوى أن يفتح عينيه على سعتهما دهشة عند سماعه للآيات التي كانت السيدة أنصاري تتلوها عليهم: - {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا} (مريم 16). - {فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا} (مريم 17). - {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} (مريم 18). - {قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} (مريم 19). - {قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا} (مريم 20). - {قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا} (مريم 21). ويقول «لم أملك سوى الدهشة والبكاء من وقع هذه الآيات على نفسي، لقد كانت دموعي تنهمر بغزارة دون توقف، فلم أكن أعلم أن في القرآن ذكرا لمريم والمسيح -سلام من الله عليهما- لقد كانت الآيات التي تتلوها السيدة أنصاري متطابقة تماما مع عقيدتي الكاثوليكية «وتقول السيدة أنصاري أنها اختارت من القرآن الكريم الآيات التي توضح أوجه التشابه المتعددة بينه وبين الإنجيل، فكثير من الناس في أمريكا لا يعلمون بأن القرآن الكريم يتحدث عن مريم وعيسى ونوح وغيرهما من الرسل والأنبياء عليهم السلام بنفس الإيمان والاحترام الذي ورد في الإنجيل». وهكذا نجد أن الله عز وجل يجعل الخير في الشر في كثير من الأحيان، وأن رب ضارة نافعة، وأنه يحفظ كتابه بوعده {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحجر 9)، وأنه يسخر لحفظ كتابه ونشره جنودا نعرفها وجنودا لا نعرفها، فما أنجزته السيدة أنصاري خلال دقائق لم تفلح المؤسسات الإسلامية ودعاتها المحترفون في إنجازه على مدى عقود طويلة من الزمن، رغم الأموال الطائلة التي تنفق على طباعة وتوزيع المصحف بلغات أجنبية مختلفة أو على المراكز والانتدابات والمشالح والأطياب والولائم الفاخرة والخطب الرنانة على المنابر وفي التجمعات. لقد كانت السيدة أنصاري تتلو القرآن الكريم بتلقائية وهدوء فائقين دون بحلقة للعيون ولا تهديد بالأيادي على جمع من 20 شخصا فأثرت آياته في أحدهم ذاك التأثير البالغ الذي وصفته، ولا أعلم عن مدى تأثيره في الباقين، فما بالكم لو قامت عشرات من السيدات والسادة المؤمنين بعقد حلقات قراءة للقرآن الكريم في كل مكان يتواجدون فيه في أمريكا وفي غيرها من الدول التي تجهل ما في القرآن الكريم؟ ألا توافقون بأن ملايين من البشر سيهتدون أو سيقفون، على الأقل، على الحياد تجاه المسلمين وقرآن المسلمين. ولهذا أرجو أن نرى مدخلا جديدا للدعوة يرتكز على إيصال آيات القرآن الكريم إلى أسماع من يجهلون من خلال حلقات قراءة صغيرة ولكنها مؤثرة كما رأينا. أولا تعلمون بأن إسرائيل تستضيف عشرات الشبان الأجانب من أنحاء العالم كافة في مستعمراتها كل صيف لتلمع صورة الصهيونية في أنظارهم ولتزرع في عقولهم وفي قلوبهم انطباعات جميلة عن المواطن الإسرائيلي والدين اليهودي لتضمن موالاتهم لها ودفاعهم عنها عند احتلالهم لمواقع المسؤولية في بلادهم. إني لأكاد أجزم بأن أعضاء (جماعة الشاي الأمريكية) كافة، قضوا وقتا كافيا في إسرائيل للتشبع بفكرة العداء المطلق غير المبرر للإسلام والمسلمين. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 130 مسافة ثم الرسالة