العيد فرح .. ولئلا نكدر الفرح بموضوعات ساخنة، فإننا نستكمل أيام هذا الأسبوع باستعراض آخر ما صدر من المؤلفات التي جاء في مقدمتها ديوان شعر يجسد حب الوطن الذي هو من الإيمان، كما هو فطرة في الإنسان الذي لا يرضى عن وطنه بديلا والشاهد على ذلك قول أحمد شوقي: وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني في الخلد إليه نفسي احتوى الديوان على العديد من القصائد والمقطوعات الشعرية وقد صدر عن مركز صالح بن صالح الاجتماعي في عنيزة، وهو من تأليف الأديب الفقيه الشاعر الدكتور عبد الله الصالح العثيمين وعنوانه: «أنت يا فيحاء ملهمتي» وفي المقدمة يقول الشاعر عبد الله العثيمين: حب الوطن فطرة فطر الله الإنسان عليها، وقد عبر عن هذا الحب لفظيا المقتدرون على التعبير، شعرا ونثرا، وعبر عنه عمليا الأوفياء بما قدموه له من إنجازات، ومن أساليب التعبير اللفظي عن حب الوطن إظهار الحنين إليه عندما يكون المرء بعيدا عنه، وللنابغة العربي الموسوعي أبي عثمان الجاحظ رسالة لطيفة عنوانها: «الحنين إلى الأوطان»، وقد ذكر فيها أن هذا الحنين أمر مشترك في جميع الأمم والشعوب، وأورد نماذج مما قاله عنه مشهورون من أمم مختلفة كالفرس والهنود واليونان، وللعرب قدح معلى في هذا المجال، أشار إليه ذلك النابغة بقوله : «أما العرب فحدث ولا حرج عن كثرة ما قاله أوائلهم وحسنه عن حب الوطن والتعلق به» ، ومن ذلك قول أحدهم : «إذا كان الطائر يحن إلى أوكاره فالإنسان أحق بالحنين إلى أوطانه»، ومع ما كان في ربوع جزيرة العرب من شظف العيش فولعهم بها كان شديدا، وحنينهم إليها كان عظيما، قيل لأعرابي: كيف تصنع في البادية إذا اشتد القيظ، وانتعل كل شيء ظله ؟ قال: «وهل العيش إلا ذاك ؟ يمشي أحدنا ميلا، فيرفض عرقا، ثم ينصب عصاه ويلقي عليها كساءه، ويجلس في فيئه يكتال الريح فكأنه في إيوان كسرى». وحكاية ميسون الكلبية، زوجة معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه، من أشهر الحكايات في هذا الموضوع، ومن الأبيات التي قالتها متوجدة حانة إلى البادية، مفضلة إياها على حياة الرخاء في قصر الخلافة: لبيت تخفق الأرواح فيه أحب إلي من قصر منيف ولبس عباءة وتقر عيني أحب إلي من لبس الشفوف وإذا كان حب الأوطان فطرة فطر الله عليها الإنسان، وأمرا تشترك فيه جميع الشعوب والأمم، وكان الحنين إليها قد عبر عنه من غابوا عن ربوعها، فإن لوطن المرء الصغير في إطار وطنه الكبير مكانة خاصة، ومن حسن حظ كاتب هذه السطور أن مسقط رأسه بلدة لها منزلتها في النفوس، وبيدها مفتاح تملك المشاعر، كان غيابي عنها خلال دراستي في جامعة الملك سعود تخفف وطأته سهولة المجيء إليها من الرياض عندما أشعر أن مبلغ الشوق يجعلني أستفيد من تلك السهولة وإن كان السفر، أحيانا فوق ظهر ناقلة نفط قد تغرز في الرمل وقد تنجو من التغريز.. على أن الوضع تغير بعد ما أصبحت أدرس دراسة عليا في جامعة ادنبرا في اسكتلندا، إذ بعدت المسافة كل البعد، وقلت فرص المجيء إلى مسقط الرأس، ومرتع الصبا، ومسرح الشباب، فكان الشوق إلى الفيحاء .. فيحاء القصيم .. أعظم وأشد، ولما عدت إلى الوطن العزيز أواخر عام 1392ه / 1972م مكملا تلك الدراسة العليا، كانت باكورة ما نشرت قصيدة عبرت فيها عن مشاعري بعودتي إلى حضن بلدتي الجميلة الغالية بما لي فيها من ذكريات منطبعة في ذهني، وكان عنوان تلك القصيدة «عودة الغائب» الذي جعلته أيضا عنوانا لأول مجموعة شعرية صدرت لي ومطلع هذه القصيدة: طربت .. ما ذا على المشتاق إن طربا لما دنت لحظات نحوهن صبا ؟ تحية تقدير لمركز صالح بن صالح على ما قدم لمحبي الشاعر بإصدار هذا الديوان الرائع، والشكر لأخي الأستاذ حمد القاضي الذي تفضل بإهدائي نسخة منه. فاكس: 6671094 [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 158 مسافة ثم الرسالة