أذكر أننا منذ سنوات مضت، أيام الطفولة وفي زمن الشباب، كنا ننعم بهدوء يريح الأعصاب، وينزل السكينة على النفوس، نسير في شوارع قريتنا فلا نسمع ما يزعجنا من أقوال أو أصوات، حتى عندما كنا نزور الرياض أو جدة أو غيرها من المدن الكبرى، كنا كأفراد، نتسم بانخفاض أصواتنا في الحديث، بل حتى في العراك والشجار، وكمدن وقرى، لا نسمع أصوات أبواق السيارات، ولا طرق «الورش»، ولا ما يعكر صفو ذلك الهدوء. لكننا الآن، مضطرون لرفع أصواتنا حتى يسمع بعضنا البعض نظرا لذلك الضجيج المحيط بنا، فالسيارات تتبارى وتتنافس في استخدام آلات التنبيه بشكل عشوائي، مع أن استخدام هذه الآلات، في كثير من دول العالم المتحضر ممنوع داخل المدن، وإلا حررت المخالفات القاسية الرادعة، وقد لا تكون محظوظا إذا نزلت إلى أحد شوارع المدن الكبرى في أعتاب فوز أحد الأندية الرياضية وليست الأدبية، لأنك وقتها ستصم آذانك، وتتمنى العودة إلى بيتك فورا. وربما لا يعلم هؤلاء المتسببون في هذه الضوضاء، وهذا الإزعاج، بل ولا يعلم ضحايا هذه الضوضاء، أن الأصوات العالية المزعجة تعد من أخطر أسباب تلوث البيئة، التلوث السمعي الذي له دور كبير في ارتفاع الإصابة بالأمراض النفسية والبدنية، هناك أجهزة لقياس الضوضاء في المدن والأماكن المزدحمة، لا أدري إن كانت الجهات المعنية لدينا تستخدمها أم لا، وهناك معدل عالمي ينبغي ألا تتعداه هذه الضوضاء، وهو «90 ديسبل»، فإذا زادت النسبة عن ذلك، فثمة خطر ينتظر المواطن المسكين الذي لا حول له ولا قوة، ولا ذنب له في ما يصيبه من أمراض نتيجة ارتفاع معدل الضوضاء، ولعل أخطر هذه الأمراض، الضغط والسكر وفقدان السمع وغيرها. وجدير بالذكر أن هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع نسبة الضوضاء وأخطارها على صحة المواطن، أولها، وأكثرها توافرا في بلادنا، وسائل المواصلات، فآثارها السلبية تصل إلى المرء في الشارع، وفي العمل، وفي المنزل، ونظرة سريعة على أحد شوارع جدة الغالية، سنجد فيها كل وسائل المواصلات، خاصة، وباصات، ونقل خفيف وثقيل وشاحنات وترلات، وكثير من هذه الوسائل يعمل بالديزل أو السولار، وهو ما ينعكس على صوت محرك السيارة وماسورة العادم «الشكمان» وآلات التنبيه واحتكاك الإطارات بالطرق، وصوت مروحة التبريد وصندوق التروس والفرامل وغيرها. والضوضاء التي نعاني منها ليست قاصرة على الأرض، فقد وصل الأمر إلى السماء، حيث حركة الطيران، وقد تكون تعيس الحظ إذا كنت من الساكنين بالقرب من أحد المطارات، نعم، معظم مطاراتنا خارج حدود المدن، لكن العمران يزحف إليها، ولا تنس أن مطار الرياض القديم مثلا كان خارج المدينة، ولم تلبث الأحياء السكنية أن أحاطت به. وقد يتعرض العمال إلى الضوضاء بحكم عملهم، فالعاملون في الورش وعنابر الإنتاج لفترات أكثر من 8 ساعات، وكذلك بعض المصانع يتعرضون بشكل مباشر لأخطار الضوضاء. والمطلوب في الشق الأول، في ما يتعلق بالطرق ووسائل المواصلات، تطبيق الأنظمة واللوائح الصارمة للتخفيف من حدة التلوث السمعي، أما في الشق الثاني، المتعلق بالعمال، فمطلوب أيضا تطبيق وسائل الأمن والسلامة التي تضمن تخفيف تأثير هذه الضوضاء عليهم، وفوق هذا كله مطلوب أن تكون هناك عملية نوعية حضارية للأفراد، لتبصيرهم بخطورة الضوضاء، ولعل أول هذه التوعية يتمثل في أن نغض الصوت في أحاديثنا في ما بيننا، وذلك أضعف الإيمان. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 177 مسافة ثم الرسالة